لا يطال التدمير والطمس في عدن والمكلا وعموم الجنوب الآثار والمباني والمعابد والقلاع والشطآن والسدود فقط ,بل يتجاوز ذلك الى التراث الفكري والثقافي, من خلال طمسه وسرقته كنتاج شعري وأدبي وغنائي وكتراث شعبي من زيّ شعبي وخناجر ومخطوطات ووثائق وغيرها, فمنذ سنوات نعرف ان الشعر, والفن الغنائي على سبيل المثال يتم سرقته والتلاعب به بكل صفاقة وفجاجة في الداخل والخارج.
ولمجابهة هذا العبث وحتى لا تضيع هذه الثروة الفكرية الإنسانية التي لا تقدر بثمن وحتى لا يأتي علينا وعلى أجيالنا يوما وقد شطبت من ذاكرتنا وتاريخيا وطمست آثارها ورسومها كما يتوحش تنظيم داعش اليوم بتـاريخ وحضارة العراق العظيمة. نطرح دعوة ومبادرة أمام الجميع وبالذات المعنيين بهذا الشأن, متمثلة بالآتي:
طالما والتوثيق الورقي للدواوين الشعرية والنثرية والشعر الغنائي والتسجيلات الغنائية وتدوينات الشعر الشعبي وأشعار الدان الحضرمي بكل انواعه:(الريض, الحيقي والهبيش) كأشعار: حداد بن حسن الكاف وعلي سعيد الحداد وصالح العمودي وسالم سعيد باصرة وعبد القادر الكاف, وغيرهم . والنتاج الأدبي- مثل اعمال باكثير والصبان - معظمهم غير مكتملة كمادة مطبوعة ورقيا ولا يوجد منها بالمكتبات وبحوزة الجمهور إلا النزر القليل, و طالما والأغاني المسجلة محصورة معظمها بتسجيلات قديمة وعلى شكل اشرطة قديمة وان كان في الآونة الأخير دخلت تسجيلات اليكترونية بتقنية حديثة ولكنها تظل محدودة وغير ذي جدوى للحفظ والتوثيق طويل المدى بعيدا عن التلف. فإننا بحاجة ماسة الى تدارك ما يمكن تداركه وحفظه بكل صور الحفظ وبالذات على شبكة الانترنت وهي وسيلة التوثيق والحفظ التي قصدتها بهذه الدعوة كونها الأكثر أمنا في الوقت الراهن والأكثر تعريفا وانتشارا إذا ما تم تدوين هذا الإرث والنتاج الفكري الضخم فيها من خلال موسوعات ومواقع إلكترونية فنية وأدبية وشعرية تحت اشراف جهات مختصة وناشطين مهتمين بجمع التراث.
فالفن الغنائي لأحمد قاسم والمرشدي ومحمد سعد والزيدي والعطروش والعزاني وكفى عراقي وطه فارع والقمندان و فضل اللحجي وفيصل علوي وحمدون ومرسال وجمعة خان وغيرهم وغيرهم كثير,والشعر الشعبي للشعراء الشعبيين الخالدي وابو حمحمة وبن لزنم وثابت عوض والمشطر وغيرهم سيكون عرضه للضياع والسرقة والتحريف والاقتباس الخبيث ان لم يجد من يصونه ويحافظ عليه . واشعار الدان و الأشعار المغناة أيضا ليست كلها موثقة ورقيا إلا على نطاق محدود كالمبادرة الرائعة التي قام بها في ثمانيات القرن الماضي الشاعران الراحلان/ أحمد سيف ثابت وسالم حجيري بكتابهما البديع(مئة شاعر وستمئة أغنية).و دواوين الشاعر الراحل حسين المحضار دموع العشاق ومن أغاني الوادي لحسين بن محمد البار , والدموع الضاحكة لهادي سبيت. ولطفي أمان بقايا نغم, ومحمد عبده غاني على الشاطيء المسحور 1946 , ومحمد سعيد جرادة مشاعل الدرب, وغيرهم من القلة القلية الذين حالفهم الحظ بالسنين الخوالي وتم توثيق حصيلة فكرهم وابداعاتهم أو جزء منها. وبالتالي فهذا الموروث البديع والمدهش سيكون هو الآخر عرضة للضياع ان لم يتم الانتباه له في ظل هذه الفوضى العارمة.
فلو اخذنا جانب الفن الغنائي كشعر وكأغاني لا يوجد له توثيق شامل على شبكة النت وليس له مراكز مختصة تصونه وتطوره ,كسائر الدول العربية ولا نقول الدول المتقدمة إلا على نطاق ضيق جدا.
فالمواطن العربي والمهتم والمختص الذي يحاول الوصول الى الاغاني العدنية واللحجية والحضرمية وألأبينية والى الشعر بمختلف انواعه على شبكة الانترنت باعتبارها شبكة عالمية وهمز وصل العصر الحديث بين الأمم والشعوب لا يجد لها إلا أثر محدود جدا, مقارنة مع التوثيق الضخم لفنون واغاني وشعر دول هي في طبيعتها ذات نتاج فكري وفني متواضع جدا مقارنة مع موروث الجنوب الضخم.
ولتجاوز هذه المهمة التاريخية الكبيرة ولحفظ هذا التراث العظيم بأحد الوسائل العصرية(الأنترنت) لا بد من مشاركة واسعة من قبل الجميع جهات وأفراد كونها مهمة صعبة وشاقة كعملية جمع المواد ورقيا وماديا وطبعها اليكتروني ومن ثم تخزينها بالشبكة وهي دون شك تعد بالاف الوثائق والاغاني والتسجيلات.
سأذكر هنا مثالا على أهمية هذه الدعوة. ففي نهاية 2012م توفي الشاعر/ يسلم بن علي باسعيد , صحاب أغنية ( في سُـلّـم الطائرة) التي ذاع صيتها في الستينات بصوت الفنان السعودي الراحل/ طلال مداح.! ففي وسط هذا الصخب وهذا الهبوط المائع للأغنية العربية لا يعرف كثير من شباب اليوم ان هذه الأغنية هي لهذا الشاعر الذي رحل بصمت ودون ضجيج, بل لم يسمعوا بالشاعر أصلا. والذي هو بحاجة وأمثاله من المبدعين الى تكريمهم بمماتهم بحفظ إرثهم وعصارات فكرهم بعد ان تنكر لهم الجميع بحياتهم.!