قلنا وحذرنا منذ وقت مبكر، أنه ليس من الإسلام تحارُبُ المسلمين.. وإذا لم ينتصر العقل، والحكمة التي نتباهى بها، فإن فِتْنة صمَّاءُ تلوح بوادرها لا حدّ لشرورها ولا سبيل إلى تسْكينها...والحجر من القاع والدم من رؤوسنا جميعا شمالا وجنوبا..فالحرب سلاحها الدِّعاية والكلام واختلاق الإشاعات والتَّصريحات الاستفزازيَّة في ظلّ وضع متوتِّر..
لكن عفاش وزمرته من الأوباش ممن لا حياة لهم إلا في الحروب والأزمات والقتل والإرهاب، لا يفهم معنى الجنوح للسلم، فأعلن الحرب ولبس بدلة الميدان، ولم يكتف بما قد سفك من دماء الأبرياء، في الشمال و في الجنوب، وما سالت من دموع الأمهات الثكالى على ابنائهن الذين ذهبوا ضحايا حروبه ومغامراته.
وأعتقد أنه حتى في زمن التشطير والحروب الشطرية بفعل الاستقطاب الدولي(سابقا)، لم تُسفك دماء بحجم وغزارة ما أهرقه عفاش ونظامه منذ بدء انقلابه على شركاء الوحدة الذي استهله بمسلسل الاغتيالات الشهير للقادة الجنوبيين خلال ما عُرف بـ (المرحلة الانتقامية).. ثم حربه الشعواء التي دمر بها الوحدة ونزعها من القلوب والنفوس منذ احتلال الجنوب صيف 1994م، وما التهمته هذه الحرب الظالمة في أتونها من القتلى والمفقودين، وما خلفته من جراح غائرة في النفوس ، مرورا بفظائع وجرائم القمع الدموي والقتل والاغتيالات التي واجه بها النظام الثورة السلمية الجنوبية منذ انطلاقتها عام 2007م .. وكذا ما لحق بصعدة جراء الحروب الستة.. ثم ما حدث أثناء الثورة عليه، من جرائم وفظائع يندي لها جبين الانسانية من قمع وقتل للمتظاهرين السلميين في صنعاء وتعز والحديدة.. ناهيك عن مدن الجنوب التي أعمل فيها قتلا وفتكاً، لكنها رغم كل ذلك لم تنصاع أو تستكين له..
ورغم خروجه مدحورا محروقا من السلطة بفعل الثورة ضدة، إلا أنه وللأسف الشديد ظل يغذي الفتنة ويعيش أوهام الزعامة، جنون العَظَمة، وهو خلل عقليّ يجعل المرء يشعر بقوّة وعظمة غير عاديّة فيخترع وقائع خياليّة تتَّسق مع هذه المشاعر للهروب من الواقع الفعليّ الذي يعيشه الشخص، فما زال يطل علينا متعطشا إلى مجد كان طوع بنانه، وكاد أن يجعل منه زعيما وطنيا وقوميا وحدوياً، لكنه لم يكن أهل لذلك ففقده وإلى الأبد، لأن نوازع الشر والمصلحة الضيقة غلبت لديه على نوازع الخير ومصلحة الأمة والوطن، وأعماه الحقدُ والضغائن التي تحركه عن رؤية الحقيقة، وما زالت تلك النوازع الشريرة تجعله غير قادر على التَّمييز والإدراك، حتى أعمت قلبه وذهبت ببصيرته!. ولم يتعظ من كل ما جرى له ومما حل بالبلاد والعباد بسببه.
ويبدو أن شهيته للقتل وسفك الدِّماء لا حدود لها... وها هو قد حرض وساعد على المزيد من القتل والاقتتال وجيّش الجيوش، وكأن ثورة شعبية لم تقم ضده وتخلعه من سدة الحكم.. تقوده نوازعه الشريرة إلى الاستمرار في اللعب على المتناقضات لتحقيق مآربه وتصفية حساباته مع خصومه الكُثر، بضرب هذا بذاك، بدوافع انتقامية..
ولا أدري كيف انطلت ألاعيبه على من أذاقهم صنوف القمع وأمعن بهم قتلا وتدميرا، وعانوا بسببه من إقصائهم عن السلطة، بل والتضييق عليهم مذهبيا، لأسباب سياسية، فإذا بهم يقعوا في شِراك أحابيله، ويقفون معه في صف واحد الآن يمارسون تجاه الجنوب ما كان يغيظهم منه.. بل وجرهم جراً إلى نفس مربع حرب احتلال الجنوب الظالمة عام 1994م.. خاصة بعد أن مكَّنهم من الاستحواذ على سلاح الدولة .. وكأنما قايضهم بذلك بدماء من قتلهم بتلك الأسلحة في حروب صعدة الستة.. فعفوا عنه.. ولو إلى حين.. وتقمصوا دور الظالم الغاشم، يستقوون بمنطق القوة الذي واجهوه طوال ستة حروب، ويحاولون أن الاستئثار بالسُّلطة والتفرد والاستبداد بها، وكأنهم أوصياء على جميع الشمال والجنوب، بل وكل بلاد المسلمين كما أفصحوا في أكثر من مناسبة، وهم الحريصون دون غيرهم على البلاد والعباد، وعلى كل بيت وحارة .. ومن لم يكن معهم فهو داعشي وقاعدة وعميل سعودي واستخباراتي أمريكي .
نعرف أن تناسخ الأرواح عقيدة شاع أمرُها بين الهنود وغيرهم من الأمم القديمة مفادها أن روح الميِّت تنتقل إلى كائن حيّ آخر كما يزعم من يعتقدون بذلك، أما أن تنتقل وتتناسخ روح عفاش(الشريرة) في حياته (المحروقة)، إلى خصومه بالأمس، أنصاره اليوم ، فذلك من عجائب المتناقضات ، وأمر يثير الريبة والتوجس، جعلهم على النقيض من مزاعمهم (الثورية)، بمجرد أن مكنهم من الحصول على القوة التي كان يفترض أن تكون في أيديهم أداة في خدمة الحق، لا غاية تُنشد لذاتها، لأن القوة إذا انفصلت عن الحق أصبحت خطرًا يُهدِّد الضعفاء، ويبطش بكل مَن لا ظفر له ولا ناب، وهذا ما كان منهم بعد أن تغلبوا بالقوة "العفاشية" والأجدر تسميتهم (انصار عفاش) لا (أنصار الله) ..والله لا ينصر الظالمين.
كنا نظنهم مظلومين مثلنا بعد حروب ست تعاطفنا معهم خلالها ضد عدوهم وعدونا .. لكنهم نصروا هذا الظالم الغاشم، وساروا على خطاه ظالمين متجبرين متعطّشين لسفك الدِّماء، وفرض باطلهم بقوة السلاح، وهو ما يحدث الآن في العدوان على مناطق الجنوب التي أصبح فيها الحوثيون رأس حربة لنظام عفاش، يتلقون الضربة تلو الأخرى باعتبارهم حلفاء وأدوات لعفاش .. وهم قبل غيرهم من يدفعون ثمنا باهضا من دماء وأرواح كان يمكن أن تُصان لو لم تساق وراء أوهام المأفون عفاش ..والأفين لا يُعتمد عليه، فلو كان فيه خيراً لما قتل الوحدة السلمية ومزق أواصرها وأضاع مجداً كاد أن يعلو به، وها هو الآن في أسوأ حالاته.. تلاحقه اللعنات حيا.. وبعد الممات.