0
تمضي الأيام ولا شيء جديد في حياة اليمنيين، سوى تجدد الألم الممزوج بالأمل والحلم ان تعود الابتسامة إلى وجوه أطفالهم، وان ينعموا بحياة كريمة, خالية من العنف والظلم والجوع التشرد.
نحو تسعة أشهر مرت حتى اليوم ومازالت الكلمة العليا في هذا البلد الفقير هي لأصوات المدافع والدبابات، وقذائف الكاتيوشا، لا ينافسها في ذلك سوى عويل النساء وانين الأطفال الذين تسحقهم آلة الحرب وتشردهم أعمال القتال الذي لا يتوقف.
لقد دفع النزق الشيطاني لميليشيات الحوثي التي تحلم بتمدد مشروعها الطائفي، السلالي، على حساب مجتمع بكامله وهمجية المخلوع صالح وإصراره على التمسك بالحكم وتوريثه لأسرته ولو على جثث كل أبناء شعبه، باليمن إلى مصير مجهول يصعب التنبوء به، فحتى في حال وضعت الحرب أوزارها وسكتت أصوات المدافع، فإن مستقبل هذا البلد سيظل في خانة المجهول وسيكابد لسنوات طويلة مقبلة الكثير من المعاناة والضياع وفي أحسن الأحوال سيبذل جهدا شاقا ومضنيا لإعادة إعمار ما خربته الحرب.
وإذا كان من الإنصاف القول إن اليمن لم تكن في يوم من أيامها الماضية أحسن حالا مما هي عليه اليوم، بسبب سوء إدارة أنظمتها السابقة خصوصاً في زمن الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، الذي أدار البلد بمنهج الفساد والإفساد لأكثر من ثلاثة وثلاثين عاما، إلا أنها –اليمن – اليوم تبدو في حال مريعة، فقد زاد نسيجها الاجتماعي الممزق أصلا تمزقا أكثر من ذي قبل، وأسهمت التعبئة الطائفية في خلق مشكلة جديدة لليمنيين لم يكونوا سابقا يلتفتون إليها أو يعدونها مشكلة.
لقد أسهمت التركيبة الاجتماعية المعقدة في اليمن، وتحديدا في شماله، وسيادة ثقافة «الفيد والربح» في التخفيف من فاعلية التدخل العربي إلى جانب الحكومة الشرعية، ما أدى إلى إطالة أمد الحرب، وربما فشلها في بعض الجبهات حيث لم تستطع القوة الهائلة لقوى التحالف العربي مثلا في حسم معركة مأرب المحافظة السنية، حيث لا حاضنة شعبية بالمطلق لميليشيات الحوثي، وحيث لا توجد قوة كبيرة لميليشيات الحوثي وصالح في هذه المحافظة بعد الدفع بالجزء الأكبر من قواتها إلى الجنوب، ما يؤكد ان رموز المجتمع القبلي في هذه المحافظة نجحوا، في تحويل المعركة من حرب تحرير إلى مشروع استثماري،، يموله التحالف واستفاد منه أمراء الحرب من شيوخ القبائل ورموز الأحزاب، الذين فضلوا الإثراء والفيد، ولو على حساب قضية شعب ومستقبل أمة وعقيدة، ناهيك عن حسابات أخرى تتعلق بالقضية الجنوبية حيث يخشى رموز الشمال من سياسيين وقادة عسكريين ومشائخ وفي مقدمتهم قادة الإصلاح، من انفصال الجنوب أكثر من خشيتهم من سيطرة الحوثي وصالح على السلطة.
هذا الوصف لا يقف عند مأرب وحدها فقد تسبب الفهم الخاطئ لطبيعة تركيبة مجتمع الشمال اليمني في إفشال جهود التحالف أيضا في تحرير محافظتي الحديدة واب وهما من أكثر المحافظات اليمنية السنية سكانا، وأشدها معاناة من نظام صالح ونالتا نصيبا وافرا من القمع والتنكيل والامتهان في زمن حكمه ولسنوات طويلة.
اما في محافظة تعز، فقد كان الخطأ الأكبر، حيث ظلت الحكومة اليمنية وقوات التحالف العربي العربي، وتحت تأثير ما يطرحه لهم بعض المنظرين من أبناء هذه المحافظة تنظر الى تعز بمفهوم إنها، كانت ولازالت الخصم اللدود للرئيس اليمني المخلوع صالح، وأنها بملايين سكانها ستظل السلاح الأمضى الذي يكسر مشروع الحوثي وصالح، وغاب عن هؤلاء جميعا، ان لصالح تأثيراً قد يفوق تأثير الحكومة والرئيس هادي وبأضعاف في هذه المحافظة، ناهيك عن أن جزءا كبيرا من أبناء تعز هم من أصول زيدية وسكنوا المدينة منذ عهد الإمام وباتوا من كبار مشائخها في قلب المدينة وفي أريافها وخصوصاً في ماوية والراهدة والمسراخ، إضافة إلى الإعداد الكبيرة من المتحوثين المتأثرين والمدافعين بقوة عن مسيرة آل الحوثي وخصوصاً من المثقفين والإعلاميين والأكاديميين، من أبناء تعز ولا يجوز ان نغفل أن القوة الأكبر التي قاتلت في الجنوب وتقاتل اليوم في صفوف ميليشيات الحوثي والمخلوع صالح في هذه المحافظة، وتحاصر المدينة وتقتل النساء والأطفال وفي مقدمتهم المحافظ عبده الجندي، هم من أبناء تعز للأسف، ولعل ذلك ما أفشل جهود تحرير المحافظة أو على الأقل الضغط باتجاه فك الحصار عنها.
إن لم يدرك التحالف العربي طبيعة التركيبة المجتمعية في اليمن، ويفهم إلى من ينبغي أن يمد يده، ومن هو الخصم ومن الصديق، ويعي جيدا طبيعة الأرض التي سيقاتل عليها، وما إذا كانت أرضا صلبة كما كانت الحال في الجنوب أم رخوة كما هي عليه اليوم في تعز ومأرب، فإن جهوده ستذهب إلى فشل ذريع، وإذا كان لم يستطع في نحو سبعة أشهر تجاوز محافظات تعز، ومأرب، واب وهي محافظات سنية، وتعد أرضا صديقة، فإنه قد يحتاج سنوات طويلة لتجاوز المحافظات التي توالي الحوثي وصالح كليا وتعد حاضنتهما وحضنهما الدافئ.
*صحافي وكاتب يمني
مراسل إذاعة الكويت في اليمن