كل حزب -أو جماعة أو قبيلة- يصل إلى السلطة يضع الخطوط العريضة لنظام حكمه ؛ وهذه الخطوط العريضة تكون معبرة عن ثقافته ويوسم بها "فقد يكون نظام اشتراكي أو رأسمالي أو إسلامي وسطي أو سلفي.... إلخ"
وخلف هذه الخطوط العريضة يصطف المؤمنون بها ، لأنهم يعتقدون أنَّها الطريقة التي تجسد معتقداتهم وتضمن مصالحهم ، ومعهم يقف عوام الناس الذي لايحملون أي توجه أو ثقافة سياسية ؛ وهذا الاصطفاف الشعبي يمنح النظام هويته .
وعندما ينجح هذا النظام يعم نجاحه على الشعب بصفة عامة (المنتمون لهذه الهوية والمعارضون لها) . . . وإذا فشل فينعكس فشله عليه وعلى مناصريه فقط ؛ حتى لو سقط "النظام" تبقى الدولة لأن هناك حزب أو جماعة أو قبيلة بهوية جديدة تخلفه في السلطة .
وعليه فالخطورة على الدولة لاتأتي من النظام محدد الهوية بل من النظام معدوم الهوية ؛ فهناك كثير من الأنظمة تتقمص كل الهويات بهدف البقاء في السلطة . . . فالقائمون على هذا النظام يعتقدون أنهم بتعدد الهوية سيحتشد الشعب بكامله خلفهم ، ويستطيعون التحكم والسيطرة على كل التوجهات الشعبية .
وهذا غير صحيح . فالجماهير لاتصطف خلف نظام بل تصطف خلف مصالحها ؛ ومصالحها تظهر من خلال أداء النظام ومايقدمه لهم من خدمات وتطوير في حياتهم .
وفي أغلب الأحيان يصطف خلف "النظام الكوكتيل" الإنتهازيون ولصوص الثورات وتجار الحروب (وهو يقبل ويرحب بهم) . . . ونظام صنعاء الذي بناه الرئيس صالح عينة للنظام الكوكتيل الذي نتحدث عنه .
ومع مرور الوقت وتشعب الفساد وتعمق الفشل يصبح هذا النظام في حكم العصابة الغاصبة للسلطة ... وسقوطها مسألة وقت لأنه حمل في داخله عوامل الفشل والسقوط .
وهنا يكمن الفرق "آلية السقوط" بين النظام محدد الهوية والنظام الكوكتيل ؛ فهذا النظام فشله ليس خطراً على نفسه كما في المحدد الهوية بل على الدولة بكاملها ؛ فسقوطه يعني سقوط الدولة في أغلب الأحيان .
ويبدأ ظهور عوامل السقوط منذ اليوم الأول ؛ فقياداته يرفعون شعارات متعددة ، تحمل توجهات متعددة ؛ ومن بين هذه الشعارات والتوجهات مايكون مرفوض شعبياً . . . وحتى لو لم يفهم الشعب المعنى الخفي للشعارات من أول وهلة ، لكنَّه مع الوقت يكتشفها تدريجياً ؛ ويكتشف تعارضها مع توجهاته وإرادته .
والتدرج في المعرفة الشعبية يخلق الانقسام المجتمعي بين مؤيدين غير فاهمين للخفايا ومعارضين فاهمين لها . . . وتحدث القطبية بين صقور الفساد في النظام ، وتحدث أيضاً بين النخب الفكرية التقليدية القائدة للمجتمع .
ويعتزل الساحة السياسية الكثير من ذوي العقول والرأي والدراية ؛ لأنَّ الاصطفاف في هذا النوع من الانقسامات يعتبر خيانة للشعب ولإرادته في الحرية والتنمية .
ويستمر الانقسام ، وتعجز كل المعالجات الترقيعية ، حتى يسقط النظام .
وسقوط النظام سيكون مرحلة تأسيسية لانقسام كلي في النظام والمجتمع ، انقسامات متعددة ومختلفة "أفقية وعمودية" ... وتتوسع الانقسامات حتى تخلق هوة داخل المجتمع . تعجز النخب الفكرية والتقليدية القائدة عن سبر هذه الهوة وتفشل في لملمة صفوف الشعب في الوقت المناسب .
وهنا قد يسأل القارئ سؤال مهم ؛ هل نظام السلطة الشرعية في اليمن اليوم نظام محدد الهوية أم كوكتيل...؟
في رأيي ؛ هو نظام لم تظهر هويته ولاخطوطه العريضة ، ولذلك فهو في حكم نظام كوكتيل أسوء من النظام الذي بناه الرئيس صالح سابقاً .
على أن الشعوب العريقة تستطيع إعادة بناء نفسها من جديد ؛ فعراقة الشعوب تكمن في قدرتها على تجاوز الكوارث الكبيرة ؛ وتظهر عظمة الشعوب من خلال قدرتها على التعلم من الكوارث التي مرت بها خلال مسيرة حياتها .