الأمن القومي.. وزيادة كاتشب

الأمن القومي.. وزيادة كاتشب

قبل 4 سنوات

توابع زلزال عدن ارتد على كافة الأصعدة وأخرج من لنا ظاهرة محللين وصحفيين وأشباههم في منصات التواصل الاجتماعي وعلى شاشات الفضائيات الإخبارية ليقدموا لنا تحليلاتهم وتصوراتهم حول القضية الجنوبية وانعكاسها على الأمن القومي العربي لكن بطريقة مختلفة تشابه إلى حد بعيد جداً طلبهم لشراء شاورما مع طلبهم إضافة المزيد من الكاتشب أو المايونيز في إهانة وليس تسطيح لمفهوم الأمن القومي العربي.

 

 

 

يقول أحدهم أن فصل الجنوب عن الشمال سيخلق شمالاً موالياً لإيران وجنوباً معروضاً للبيع في المزاد الدولي، وآخر جاء بنموذج الفيدرالية الخاضع لها إقليم كتالونيا مرصعاً تغريدته بأربع صور كأنها جنات النعيم متجاهلاً أن فريق برشلونة عندما يخوض مبارياته مع أندية مدريد يخوضها بروح انفصالية وأن الأزمة السياسية تعصف بأسبانيا من خمسمائة عام مع كامل الاحترام والتوقير لمدريد التي جاء بها ذلك الصحفي ليقارنها بعاصمة اليمن صنعاء.

 

 

 

القضية الجنوبية في سوق الكاتشب بعيون هؤلاء تعيش أوقات رفاهية لم نعرفها أبداً منذ أن دخلت جحافل القبيلة الشمالية اليمنية بمجنزراتها لتقتل الوحدة في صيف العام ١٩٩٤، ليس تهكماً في الذين يريدون عطف القضية الجنوبية بل إدراكاً أنهم يمنحونها بُعداً حقيقياً واتسعاً في منطق الدفاع السياسي عنها.

 

 

 

تستطيع ابداء رأيك في هدف جاء عبر تسلل أو خطأ ارتكبه مدافع أحمق، وتستطيع ابداء رأيك في لون السيارة التي تود شرائها أو اشتراها أحد اصدقائك، لكن أن تعرض الأمن القومي العربي لرأيك دون أن تعرف أبعاد القضية الجنوبية فهذه كارثة ومصاب جلل أصاب العرب كلهم.

 

 

 

من العام ١٩٦٧ وحتى ١٩٩٠ لم يحدث سوى حرب يتيمة بين السعودية واليمن الجنوبية كانت حرب الوديعة ومن بعدها لم يسجل السعوديين أنفسهم حادثة أمنية واحدة ضد اليمن الجنوبي، في المقابل أفضت ما يسمى ثورة سبتمبر ١٩٦٢ لقيام الجمهورية العربية اليمنية ومنذ ذلك الوقت والشمال يعادي السعودية ويطالبها بنجران وعسير ونجران ولم يترك الشمال فرصة إلا واختار الطرف المعادي للسعودية فضلاً عن تهريب السلاح والقات بل والبشر عبر كل السنوات وحتى كتابة هذا المقال.

 

 

 

في سياق الأمن القومي العربي حول نظام صنعاء وادي حضرموت من ١٩٩٤ إلى واحدة من أهم نقاط توزيع المخدرات العالمية، وجعل من محافظتي أبين وشبوة محافظتين لإيواء المتطرفين والإرهابيين وساهم في إنشاء المعسكرات وفتح المعاهد التي أخرجت الآلاف من الدواعش، كما أنه وفي سياق التذكير بالأمن القومي العربي جدير أن يتذكر المثقوبة ذاكرتهم أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب خلق في اليمن وتمت رعايته بالشراكة بين علي صالح وحزب الإصلاخ لاستهداف السعودية واستنزافها.

 

 

 

عندما استهدفت المدمرة الأمريكية أس أس كول في عدن باعت صنعاء واشترت في سوق الإرهاب وبأسم حماية الأمن القومي العربي ومكافحة الإرهاب، وعندما استهدف الأمير محمد بن نايف أيضاً كانت صنعاء تبيع وتشتري في هذا السوق الزاخر بالفوضى الذي تجيد فيه قبائل صنعاء البيع والشراء بأزهد الأثمان.

 

 

 

عندما انطلقت عاصفة الحزم كان الهدف الكبير حماية عدن من مخالب إيران التي أسقطت صنعاء بطقمين من الحوثيين بينما كسرت مخالبها وأنيابها ومرغ الجنوبيين والسعوديين والإماراتيين أنوف الملالي وأذنابهم على أسوار عدن لتسجل أسمها أنها المدينة العربية الوحيدة التي كسرت إيران التي تتبجح بسيطرتها على بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت.

 

 

 

أنصاف المحللين وأشباه الصحفيين خرجوا ليحددوا الأمن القومي العربي بمقاسهم وحسب ما يريدون دون اعتبارات لقضية سياسية تتجاوز كل القضايا الدولية، وأولئك المتحدقين هم أنفسهم الذين اشادوا بفصل السودان، وهم أنفسهم من يريدون منح الأكراد حقهم نكاية في الأتراك، وهم أنفسهم من يقدمون الأهواز على أنها قضية عربية منسية، وهم ذاتهم من دخلوا قاعات السينما وتابعوا ميل جبسون وهو يقاتل لانتزاع حق الشعب الاسكتلندي من انجلترا وخرجوا يشيدون بالبطل وقضيته الانفصالية العادلة.

 

 

 

هذا زمن من الأزمنة الصعبة التي يجد فيه أصحاب الأصوات العالية أمكنة شاغرة يمارسون فيها صراخهم ويحددون فيه مصائر الشعوب كما يحددون ذوقهم في ساندوتش الشاورما، قد يضيق أبناء الجنوب من هذه الأصوات ولكنها أصوات مهمة وأن وقفت ضدهم فهي تمنحهم اتساعاً في الأخذ والرد وتمنحهم طريقاً للخارج الذي لن يكترث بهؤلاء وسيبحث في الطريقة التي يجب أن يساهم فيها بمنح الجنوبيين ما يستحقون بعيداً عن مجموعات ستنقلب للتصفيق تماماً كما هي معتادة عليه ضمن الكتالوج الذي تعيش عليه منذ أن اعتبرت في وظيفة الصحافة التي أصبحت تعيش بؤساً بعد أن كساها البؤساء ببؤسهم.

التعليقات

الأكثر قراءة

اتبعنا على فيسبوك

اتبعنا على تويتر