بغض النظر عن رضانا أو عدم رضانا عن تنظيم الإخوان المسلمين فإن اتساع مساحة الدول والمنظمات التي لا تنظر إليه وإلى فروعه إلا كمنظمة إرهابية تعود إلى اعتبارات كثيرة هي ما يدفع هؤلاء إلى مزيد من القناعة بهذا التوجه، ويمكننا أن نستعرض بعضاً من هذه الاعتبارات على سبيل المثال لا الحصر.
وهكذا فإن عقيدة "الجهاد" التي ضمَّنَها النص الديني محتوى واسعا من المستويات والدرجات يختزلها مرشدو وموجهو وآيديولوجيو الحركة الإخوانية بمقاتلة المخالف في الرأي والرؤية والعقيدة والثقافة والفكر، بل وحتى لو كان الاختلاف في إطار العقيدة الإسلامية الواحدة التي يدعي الإخوانيون بأنهم حراسها ومترس الدفاع عنها وأنها دليلهم الفكري والإرشادي والعقائدي.
إن العدو الذي يرفع الإخوان شعار إرهابه، يمكن اختزاله في أي مجموعة أو فئة من البشر أو في بلد أو شعبٍ من الشعوب، أو ديانةٍ أو ملةٍ أو قومية طالما صنفه المرشد العام وبقية هيئات التنظيم القيادية ككافر تنبغي مقاتلته وقتله.
إن أفضل فترات انتعاش عمل الإخوان المسلمين كانت على الدوام فترات الاضطرابات السياسية والاجتماعية، وعدم الاستقرار الذي حتى وهو يتصل بالمطالب العادلة للشعوب والمواجهة بين الشعوب وطغاتها، وحينما لا يكون للإخوان يد في هذه المواجهة فإنهم ما إن يحسوا بعلامات نجاح هذه المطالب حتى ينطوا إلى مقدمتها ليحرفوها عن مسارها وتوجيهها باتجاه أهدافهم السياسية واتخاذ منها وسيلة للبحث عن شعبية يفتقدونها وتسجيلهم حضوراً كان باهتاً ومن ثم الوصول إلى السلطة حتى ولوا كانوا متحالفين بالأمس القريب مع نظام الطغيان الذي ثار الشعب في مواجهته ، وما تجربة فترة ثورات الربيع العربي عنا ببعيدة.
وقد جاءت حرب 1994م ضد الجنوب لتبين أمرين هامين:
الأول: أكذوبة أن الإخوان المسلمين يعارضون نظام الحكم في اليمن، بل إن ميزة الإسلام السياسي في اليمن أنه نشأ وتنامى في كنف أجهزة مخابرات السلطة، ويكفي أن نعلم أن من كبار قادة حزب الإصلاح اليمني هم بعضٌ من كبار ضباط الأمن الوطني (الذي سمي لاحقاً بـ(الأمن السياسي) بعد العام 1990م (وهناك تفاصيل في هذه الجزئية نؤجل الحديث عنها إلى اللحظة المناسبة).
والثانية: أن حركة الإخوان في اليمن، وبقيادة وإشراف قوى عسكرية نافذة هي من قاد ونظم عمليات ترحيل الشباب اليمن إلى أفغانستان خلال الثمانينات من القرن الماضي، ثم استعادة ما عرف بـ"الأفغان العرب" من أفغانستان إلى اليمن للقيام بالعمليات "الجهادية" في اليمن الجنوبي، حتى بعد أن صار جزءً من الجمهورية اليمنية بعد العام 1990م، وقد أوضح الكثير من هذه التفاصيل المسؤول المالي للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، يوسف ندا في مقابلاته المطولة مع مذيع قناة الجزيرة الإعلامي أحمد منصور ضمن برنامجه "شاهد على العصر" ، حيث تحدث عن عمليات (نقل المجاهدين ) من أفغانستان إلى اليمن بعد إسقاط (الشيوعية) في أفغانستان وذلك لإسقاط (الشيوعية) في جنوب اليمن، مستعرضاً المبالغ التي ساهمت بها الحركة وأسامة بن لاذن في دعم حرب 1994م، ونتذكر قبل ذلك كل عمليات التفخيخ ومحالاوت الاغتيال وتفجير الكنائس والمراكز السياحية في عدن وما جماعة "جيش عدن-أبين" إلا صورة مصغرة من عدة صور لتجلي ذلك الترابط العضوي بين الإخوان المسلمين، ومخابرات النظام وتلك الجماعات الإرهابية.
الغريب في الأمر ليس كل هذا على ما فيه من غرائبية، بل إن الأغرب هو أن حركة يصنفها العالم على رأس قائمة المنظمات الإرهابية، وبدلا من العمل على نفي التهمة ومحاولة التظاهر بعكس هذا، تتمادى في القيام بالأعمال الإرهابية وقتل الأبرياء تحت مسمى "الشرعية" بل وتعد العدة للقيام بالمزيد من الأنشطة العسكرية التوسعية في مناطق ومحافظات حررها أبناؤها من إرهاب السلالة الحوثية ليأتي هؤلاء بإرهابهم بديلا عن الإرهابي المنسحب، وليس ما يدور في أبين وشبوة والتربة في الحجرية وفي مدينة تعز وغيرها مما تسمى بـ"المناطق المحررة"، ليس إلآ دليلاً على أن هذه الحركة لا تأبه لكل ما تتهم به، ولا تولي اهتماما لا لأرواح ضحايا مغامراتها ولا لسمعتها ولا لنظرة العالم ولا حتى لنظرة مواطني بلادها إليها، بل تستغل اختطافها لـ"الشرعية" لمواصلة النشاط الإرهابي المكشوف والخفي.
ولكن كما يقول المثل "ليس المجنون من أكل الكيلة، لكن المجنون من قربها له".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* من صفحة الكاتب على فيس بوك