الهبة الحضرمية الثانية

الهبة الحضرمية الثانية

قبل سنتين

يتضمن الموروث الحضرمي مصطلح (الصوت)، وهو يستخدم في الفنون كمقام من مقامات الدان وعند اصطياد الرجال للوعول كما أن بالصوت يتداعى الناس للهبة وهي (الفزعة) في مفهومها العربي المعروف بالنخوة، وفيما تتزاحم عليه حضرموت من بعد ما اشتد بأهلها الظلم ونزل بهم من الضيم والهم والجوع ما لم ينزل منذ أن عمت ببلادهم المجاعة عام 1941 زمن السلطنتين «القعيطية» و«الكثيرية». منذ أن كتب عمر باعباد أول مسودة لدستور دولة وطنية في شبه الجزيرة العربية في الثلث الأول من القرن العشرين شكلت حضرموت رأس القاطرة السياسية لجنوب الجزيرة العربية فلقد عاد إلى البلاد الحضرمية ابنها الفذ شيخان الحبشي آتياً من بلاد الشرق الآسيوي حاملاً تجربة ثرية في إسهاماته السياسية في تلك البلاد، شكل شيخان الحبشي مداً حضرمياً صوب عدن التي فيها تشكل وعي سياسي تقدمي نسجه مع محمد علي الجفري لتتشكل الرافعة السياسية تحت رابطة الجنوب العربي. لم يكتب لمشروع الجنوب العربي الميلاد ونجحت الجبهة القومية من أن تحصل على شرف الاستقلال الأول للدولة الجنوبية بجلاء الاستعمار البريطاني وتسجيل الثلاثين من نوفمبر1967 تاريخ ميلاد الدولة التي كان فيها للحضارمة الروافد السياسية والفكرية، الجمهورية الأولى ببعدها القومي ظلت على ثلاثة عقود من تاريخها تجسد حقبة من الدولة العربية الوطنية الموالية بقوة لقضايا أمتها حتى سقط جدار برلين فحملت إيمانها القومي ودخلت في وحدة مع الجمهورية العربية اليمنية عام 1990. لم تمض سنوات أربع حتى غزت صنعاء عدن وكل الجنوب وفرضت وحدة بمقاييس مغايرة عما توافق عليه البلدان قبل الوحدة، ومجدداً عادت حضرموت لتنتفض المكلا في 1997 وتؤسس للثورة الجنوبية التي تأطرت في الحراك السلمي الجنوبي على سفوح جبال ردفان في 2007 وتتشكل القضية الجنوبية بمطالبها واستحقاقاتها، ثم أن «الحوثي» انقلب على الشرعية اليمنية فسقط المعبد اليمني على من فيه وحطم ما عليه. فيما كانت البلاد تعيش الفوضى العارمة اغتيل الشيخ بن حبريش فخرجت جموع الحضارم في 2013 بالهبة الأولى مطالبة بالدم الحضرمي المراق هدراً وظلماً وبالنفط المنهوب قسراً، ولأنها حضرموت فلقد انتدبت ثلة من نخبتها الأكاديمية ليكونوا في معامل السياسة، ويمهدوا الطريق للحامل الوطني السياسي للقضية الجنوبية التي التفوا عليها في مخرجات صنعاء وعادوا مجدداً لغزو عدن وإنكارها. ضمن «عاصفة الحزم» شكل إسناد القوات المسلحة الإماراتية للمقاومة الجنوبية رأس الحربة في كسر المشروع الإيراني وحماية الممرات المائية وحفظ باب المندب والأمن القومي العربي، لم تتعايش القوى المتناقضة في عدن، فخرج الحامل الوطني لقضية الجنوب بما شكله المجلس الانتقالي الجنوبي من شريك سياسي للتحالف العربي، وآلت المآلات ليوقع «انتقالي الجنوب» مع شرعية اليمن «اتفاق الرياض». فشلت الحكومات اليمنية بمفاعيل «إخوان اليمن» وسيطرتهم على مفاصلها من توفير الخدمات الأساسية والمعيشية للناس، فتهاوت الحالة الاقتصادية بعموم محافظات الجنوب، غير أن الحضرميين ضاقوا ذرعاً فخرجوا كما في 2013 في هبة ثانية تطالب بحقهم في ثرواتهم وأموالهم ورفضاً لفساد منظومة تركت البلاد من شرقها لغربها تواجه قدرها، وبعد أن هزمت «الحوثي» وطردت «الدواعش» تأتي منظومة «الإخوان» لتجويع الناس لابتزازهم سياسياً. الهبة الحضرمية الثانية هي الامتداد التاريخي لنبضات جسد عاصمته عدن لن يموت وسيظل قوياً قادراً على مواجهة الإرهاب ومقاوماً لسياسات التركيع فالجسد الذي لم يقتل في طعنة 1994، لن يُقتل وهو مدعوم من الإمارات والسعودية فهو حليفهما وشريكهما وسيفهما أن ضَربا به قطع.

 

التعليقات

الأكثر قراءة

اتبعنا على فيسبوك

اتبعنا على تويتر