إن المتابع للأوضاع في الشرق الأوسط، يلاحظ ان الأزمة في اليمن لا تزال كما هي، على الرغم من ان القتال متوقف منذ سنوات، خاصة في جبهات شمال اليمن، الا ان التهديدات بعودة الحرب، تتكرر بشكل شبه يومي، الحوثيون – ذراع إيران في المنطقة- دائما ما يهددون السعودية والجنوب بالقصف الصاروخي، في الوقت الذي تقدم فيه الرياض – قائدة التحالف العربي- خطابا ولغة تصالحية في محاولة جادة لانعاش جهود السلام المتعثرة بفعل الرفض الحوثي لكل مبادرات السلام الأممية والعربية والسعودية على وجه التحديد.
في العام 2019م، سحبت دولة الإمارات العربية المتحدة – الشريك الفاعل في التحالف العربي – قواتها العسكرية، معلنة بان ذلك تمهيدا لسلام شامل في اليمن، عقب ذلك بنحو عام ونصف أطلقت السعودية مبادرة سلام من طرفها، رفضها الحوثيون.
في العاشر من مارس الماضي، وقعت الرياض وطهران اتفاقا برعاية صينية، كان لهذا الاتفاق انعكاسه الإيجابي على اليمن، فالمعاناة الإنسانية خفت قليلا وتسهلت عملية الحركة التجارية والاقتصادية، ولكن جاءت أزمة جديدة تعصف بالجنوب المحرر، وهي ازمة انهيار جديد للعملة المحلية امام العملات الأجنبية الأمر الذي تسبب بأزمة إنسانية كبيرة، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية نحو خمس مرات على ما كانت عليها اثناء الاجتياح الحوثي لعدن ومدن الجنوب الأخرى.
ان المتابع الجيد للأوضاع في الجنوب يلاحظ ان الازمات الاقتصادية والمعيشية يرافقها حملات استهداف ممنهجة تستهدف الجنوب "أمنيا واعلاميا وسياسيا"، وفي نفس الوقت تقوم هذه الحملات واصحابها بمحاولة تبييض صفحة الميليشيات الحوثيين "السوداء".
هذه الحملات لم تكتف بالاستهداف الإعلامي والسياسي والأمني، فهي دائما ما تضع في الخيار "اما ويتنازل الجنوبيون عن أهدافهم الوطنية، والا خيار الحرب قادم"؛ في إشارة الى ان الميليشيات الحوثية باتت أداة ترهيب بيد اطراف أخرى يفترض ان لديها معركة واضحة مع الحوثيين الانقلابيين، لكنها توجه حربها باتجاه الجنوب العربي.
لا شك ان هناك حالة من التنسيق بين الخطاب الإعلامي الموجه ضد الجنوب، وبين التهديدات الحوثية العدوانية، وانا هنا لا أعنى ان بمقدور الاذرع الإيرانية شن حربا جديدة ضد الجنوب، ولكن أرى، فوضع الجنوب أفضل مرات عديدة على ما كان عليه اثناء الحرب التي شنها الحوثيون على البلاد، لاعتبارات عديدة.
لكن في حال وشن الحوثيون حربا – أو اذا صدقوا في تهديداتهم- فأن الخيارات امام ردع هذا العدوان ستكون كبيرة قوية، وربما تفوق عملية عاصفة الحزم بمراحل عديدة، فالتهديد الذي قد يخلقه الحوثيون في بحر العرب وخليج عدن وباب المندب، تهديدا عالميا، لا يمكن التهاون بشأنه، بل هي معركة مصيرية لا تخص الجنوبيين الذين يتطلعون لإعلان عودة دولتهم الفتية، ولكن هذا التهديد يمس الأمن والاستقرار للمنطقة برمتها.
لذلك اعتقد انه من غير المنطقي السماح باستمرار الحملات الإعلامية والسياسية الممنهج التي تستهدف المجلس الانتقالي الجنوبي، فهي حملات تخدم الحوثي بشكل كبير، فالمجلس أصبح خيارا عربيا وربما دوليا في مواجهة التهديدات الإيرانية.
فالاتفاق الإيراني السعودي، ليس كل شيء، وقد ينتهي هذا الاتفاق في أي لحظة، خاصة وان إيران معروف عنها التنصل من كل الاتفاقيات، ومثلها يفعل الحوثيون في صنعاء الذين يرفضون كل جهود السلام ويصرون على استمرار الحرب دون هوادة، ويضعون اليمن والمنطقة في طريق مجهول، لهذا اعتقد انه حان الوقت ان يضع الجميع الخيارات البديلة، فالحرب التي توقفت نسبيا، قد تعود، وعودة الحرب تعني عودة المأساة الإنسانية مرة أخرى، ليس هذا وحسب ولكن أيضاً عودة الخطر الذي يهدد المنطقة بكلها، وخيار المواجهة مطروح ولا خيار دونه، والمجلس الانتقالي الجنوبي والقوى الوطنية الصادقة هي من يجب الاعتماد عليها ودعمها من اليوم وليس وقت الحاجة إليها.
بمعنى يجب ان تكون هذه القوى المحلية في الجنوب وفي الشمال، خيارات استراتيجية طويلة وبعيدة المدى، فالخطر سيظل قائما، وهو ما يعني ان تضع كل ثقلك في إيجاد قوة ردع حقيقية قادرة على الدفاع عن مصالح العالم أجمع.
- مقالة خاصة بصحيفة اليوم الثامن