الاستحقاق الجنوبي وأزمة البحر الأحمر

الاستحقاق الجنوبي وأزمة البحر الأحمر

قبل 9 أشهر

أسئلةٌ كثيرةٌ تطرحها المواجهة القائمة في جنوب البحر الأحمر بين القوات التابعة للجماعة الحوثية المهيمنة على معظم مساحة الجمهورية العربية اليمنية (السابقة)، وبين القوات الأمريكية والبريطانية وشركائها فيما يسمى حارس الازدهار، وهو الازدهار الذي لا وجود له ولا يراه أحد.

 

السؤال الذي يتغاضى عنه كثيرون هو: هل هي فعلاً مواجهة حقيقية أم هي مجرد مسرحية متفقٌ على سيناريوهاتها مسبقاً بين الطرفين؟ حيث لم تسفر حتى هذه اللحظة إلا عن بعض الإصابات الجانبية نجحت من خلالها الجماعة الحوثية في تقديم نفسها كمدافع أوحد عن القضية الفلسطينية بينما هي لم تصب جندياً إسرائيلياً ولو بخدوش في إحدى اصابعه ولم تهدم حتى جداراً واحداً في احد معسكرات القوات الإسرائيلية مقابل الخسائر التي ألحقتها باقتصاديات البلدان المطلة على البحر الأحمر، والخداع الكبير الذي صنعته للرأي العام العربي والفلسطيني على وجه الخصوص على إنها تدافع عن غزة وتنصر القضية الفلسطينية، زوراً وافتراءً.

 

 

ومن بين عشرات الأسئلة الأخرى سؤال مهم هو ما هي الأضرار التي الحقتها الهجمات الأمريكية والبريطانية وقوات الازدهار المنعدم بالجماعة الحوثية؟

 

 

الجواب: لاشيء سوى تعزيز التضامن اليمني معها فأمريكا صاحبة أسوأ سمعة في العالم لا تعادي طرفاً حتى تحشد له المزيد من الأنصار الجدد حتى من بين اعدائه الذين لا يرون في أمريكا وبريطانيا إلا معسكراً للشَّرِّ والعدوان.

 

لكن السؤال الأهم بالنسبة للاستحقاقات الجنوبية والقوى السياسية الجنوبية هو: ما هي الفوائد وما هي الأضرار من التدخل الجنوبي في هذه المواجهة؟

 

هناك من يعتقد أن تدخل القوات الجنوبية في المواجهة مع الحوثيين في البحر الأحمر سيخدم قضية الجنوب، من حيث التقارب مع الموقف الأمريكي وكسب ودِّ أمريكا والفوز بدعمها لنضالات شعب الجنوب من أجل استعادة دولته!!

 

وهناك من يرى العكس: وهو أن تدخل القوات الجنوبية في صراع الحوثيين مع التحالف الأمريكي البريطاني هو موقف عبثي لا فائدة منه سوى إنهاك القوات الجنوبية المنهكة أصلاً مقابل لاشيء من المكاسب، سوى منح الحركة الحوثية دعاوي إضافية ضد الجنوب وقضيته هي تتقول بها دونما هذا الموقف الجنوبي.

 

ولن أتوقف عند الاتهامات التي تقول أن المجلس الانتقالي والقوات الجنوبية المسلحة إنما تنفذ أوامر ما يسمونه (الكفيل أو الراعي).

 

من أجل المناقشة الموضوعية لهذه القضية علينا التوقف عند الحقائق التالية:

 

إن الدول المنخرطة في ما يسمى تحالف (حارس الازدهار) هي من القوة بما يمكنها من سحق الحوثيين خلال ساعات (إن هي أرادت) دونما حاجة لأي مساندة من أي قوة محلية أو عربية أو غير عربية لكنها لم تفعل ولن تفعل ذلك لاعتبارات خاصة بها ستكشفها الأيام والشهور القادمة.

إن القوات الجنوبية تعاني من الإنهاك ومحدودية القدرات مما يجعلها عديمة الأثر في أية مواجهة مع أية قوة خارج المساحة والجغرافيا الجنوبيتين، ونجاحها في حماية الحدود الجنوبية من أي عدوان أو تحرش، حوثي أو غير حوثي يعتبر منجزاً كبيراً تستحق عليه شهادة التفوق والتميز.

وعلينا أن لا ننسى أن أعداء الجنوب وقضيته ما يزالون يهيمنون على قرابة ثلث المساحة الجنوبية في المنطقة العسكرية الأولى التي تشمل كامل محافظة المهرة وثلثي مساحة محافظة حضرموت، أكبر محافظتين جنوبيين، مما يجعل لهذه المنطقة أهمية أولى متقدمة على أية أولوية ومنها المواجهة في البحر الأحمر التي تشمل مناطق جنوبية مهمة، أعني باب المندب وأرخبيل حنيش وجزر ميون وكمران الجنوبية.

 

إن التحالف الأمريكي-البريطاني، ليس تجمعاً خيرياً يوزع الهدايا والصدقات المجانية، فالدولتان تبنيان سياستهما على القيم التجارية الاقتصادية الصرفة القائمة على ثنائية الربح والخسارة وليس على ثنائية الحق والباطل، وللتذكير علينا أن نستعيد موقف أمريكا من الرئيس المصري المرحوم أنور السادات حينما طرد القوات السوفييتية، ثم اتجه إلى أمريكا لطلب المكافأة فقال له كيسينجر: شكرا لك يا فخامة الرئيس، لقد قدمت لنا هدية بطرد القوات السوفييتة، والهدية المجانية لا يطلب مقابلها ثمناً،، ونحن لم نتفق معك على الخطوة النبيلة التي أقدمت عليها ولم نطلبها منك حتى تطلب منا مكافأة إزائها؟

ومن هنا فإن الرهان على استرضاء أمريكا بدعم عملياتها ضد الحوثيين دون الاتفاق المسبق معها على موقف معين هو حماقة سياسية لن يجنى منها الجنوب والجنوبيين، سوى المزيد من الخسائر، أقلها تقديم صورة مشوهة للجنوب وقواته المسلحة على إنهما صديقان لإسرائيل التي يدعي الحوثيون أنهم يقاتلونها، ولم لم يقاتلوا إلا الشعب اليمني والشعب الجنوبي، كما سيصب هذا الموقف في خدمة الإعلام الحوثي-الإيراني من خلال تصوير القيادة السياسية الجنوبية وقواتها المسلحة على إنها عدو للمقاومة الفلسطينية التي تحظى بتعاطف ملايين الجنوبيين ومئات ملايين العرب والمسلمين.

إن الجنوب وشعبه وقواته المسلحة لا يمتلك من فائض القوة ما يجعله يتصدق على الآخرين بالدعم والمساندة بل هو من يحتاج إلى الدعم والمساندة في معركته متعددة الأطراف والجهات، والذهاب باتجاه دعم أميريكا وشركائها هو حالة عبثية أشبه بتحالف الأرنب مع الأسد في مواجهة الذئب، فلا الأسد سيشكر الأرنب ولا الأرنب يمكن أن يلحق أي ضرر بالذئب المستشرس في وجه الأسد، وقد لا يسلم الأرنب من أذى الأسد والذئب معاً الذين لا يهمهما من تكون فريستهما القادم؟

هناك سؤال منطقي جداً يطرح نفسه على كل أولي الألباب، وهو لماذا لم تتدخل الدول العربية والإسلامية كلها في دعم هذا المسمى بـ"تحالف حارس الازدهار" الذي لا يصنع ازدهاراً ولا يحرس أمناً سوى تأمين المصالح الإمبريالية بما فيها الإسرائيلية، وأعني هنا دولاً تمتلك من القوة عشرات الأضعاف مما تمتلكه القوات الجنوبية وتتضرر من عمليات الجماعة الحوثية أضعاف ما تتضرر منه اقوات الجنوبية؟ ومنها مصر والسعودية وبقية البلدان المطلة على البحر الأحمر التي توقفت العمليات الملاحية في موانئها جزئياً أو كلياً بسبب الشطحات الحوثية؟

إن الرد على هذا السؤال هو من يحدد مدى المصلحة أو الضرر الذي يمكن أن يحققه موقف الجنوب والقوات الجنوبية من الصراع في البحر الأحمر.

 

وأخيراً

 

لا توجد بلد في العالم تقدم هدايا مجانية لأمريكا أو غير أمريكا دون أن يكون وراء ما تقدمه من التعاون أو التحالف أحد أمرين: إما غياب المهارة السياسية، أو الرهان على نتيجة ما تزال في علم الغيب، وفي الحالتين يكون الأمر عبارة عن حالة عبثية لا نتيجة لها سوى الوبال والخسارة المحققة.

 

والله على ما أقول شهيد

 

 

  

التعليقات

الأكثر قراءة

اتبعنا على فيسبوك

اتبعنا على تويتر