بقلم : منصور صالح *
إلى اللحظة ما زال التعامل الحذر هو سيد الموقف بين الرئيس عبدربه منصور هادي وقوى الحراك الجنوبي ,فكلا الجانبين يدرك أهمية الآخر,وضرورة التحالف معه, ولو مرحليا, وفي الحدود الدنيا من التفاهمات
لمواجهة تحديات الصراع الدائر حاليا والمتوقع مستقبلا مع القوى المسيطرة أو ذات الخطر المتوقع وروده من صنعاء.
الرئيس هادي يعتبر أن الحراك الجنوبي كقاعدة شعبية واسعة ومؤثرة في الجنوب هي السم الزعاف الذي يلوح به لقوى صنعاء ,رغم أنه إلى اللحظة ما زال يقدم خطابا مستفزا, وغير مقبول جنوبيا, ويعده كثير من
قيادات وناشطي الحراك مخيبا للآمال ولا يرتقي إلى مستوى الخطر الذي يتهدد الكيان الجنوبي,كما يعدونه قبولا من هادي بالممارسات التي مورست ضده في صنعاء, وبلغت ذروتها في وضعه قيد الإقامة الجبرية ,واضطراره للفرار تهريبا وفق الروايات التي تحدثت عن طريقة خروجه من صنعاء إلى عدن.
أما الحراك فكثير من قياداته وناشطيه ونخبه يعتبرون وجود هادي في عدن مناسبة لإعادة بناء مؤسسات الدولة, بإمكانات الدولة, وبدعم دولي, وتأمينها والحفاظ على المصالح, العامة والخاصة, فيها بواسطة قوى أمنية
جنوبية شبه مدربة وتمتلك السلاح وتعمل تحت غطاء الدولة, يأملون أيضا بعودة منتسبي الجيش الجنوبي المسرحين قسرا إلى أعمالهم ليكونوا نواة للجيش الجنوبي المنشود, ناهيك عن رغبتهم في إقدام هادي على تعيينات
شاملة لقادة جنوبيين لإدارة الأجهزة العسكرية والأمنية في الجنوب وعدن تحديدا.
المهم في هذه العلاقة المحكومة الشد والجذب ومهما تكن التباينات الواضحة بجلاء في مواقف هادي الوحدوية والمتمسكة بتنفيذ مخرجات الحوار(انتهى في يناير 2014) والتي تقسم الجنوب إلى إقليمين مقابل أربعة أقاليم
في الشمال,وهو التقسيم المرفوض بالمطلق من الحراك الجنوبي الذي يمثل القاعدة الشعبية الأعرض في الجنوب والتي تتبنى بحماسة مطلب فك الارتباط عن الشمال, كما هي مرفوضة حتى من القوى التي تؤمن بالوحدة
على قاعدة دولة اتحادية من إقليمين, ونقول مهما يكن التباين إلا أن هذه العلاقة لن تتجاوز إطار الخلاف السياسي والخصومة السياسية, ولن تصل إلى حد المواجهة المسلحة, باعتبار أن الحراك الجنوبي يحاول أن يغلب
في علاقاته مع مختلف القوى السياسية والأشخاص الجنوبيين أخلاقيات وقيم التصالح والتسامح الجنوبي , لكونه يرى فيها الحامي من مخاطر العودة إلى الصراعات الجنوبية الجنوبية, وبالتالي فإن قوى الحراك قد تهجر
هادي أو تخاصمه, وقد تعلن عدم اعترافها به, لكنها لن تفكر في الدخول معه في صراع أو مهاترات مالم يبدأ هو بالاصطدام بها أو يحاول وأد القضية التي يتبنونها منذ أكثر من سبع سنوات.
الأمر الآخر: لا يمكن تفسير أي إجراءات يقدم عليها الرئيس هادي لإعادة بناء مؤسسات الدولة, أو عودة المسرحين والمقصيين إلى أعمالهم بأنها خطوات تمهد للانفصال, فهذه حقوق كان يجب القيام بها منذ زمن , ولا
يستطيع أحد أن يتهم الرئيس بالعمل على التهيئة للانفصال لمجرد أن وجه بحل معضلات في خدمات المياه أو الكهرباء من دون الرجوع إلى صنعاء التي لم تعد اليوم تحت سيطرة الدولة من وجهة نظر الرئيس, وكذلك
الحال إن هو أعاد كادرا مؤهلا إلى وظيفته بعد أن أقصي عنها لنحو ربع قرن, لكن مع ذلك لا يمكن تجاوز دور هذه الإجراءات في منح محافظات الجنوب شيئا من الحرية والاستقلالية والقوة,وتمكينها من بناء
مؤسسات الدولة التي يسعى القطاع الأوسع من الجنوبيين لاستعادتها.
مارشح عن مواقف الرئيس حتى اللحظة هو تمسكه بالدولة الاتحادية وبمخرجات الحوار, ونتيجة لذلك فهو إلى اللحظة لم يفتح قنوات تواصل مع قيادات الحراك الجنوبي الفعلية التي تحرك الشارع,كما لم يتواصل مع
القادة الجنوبيين الموجودين في الخارج, وهو ما ينفي عنه العمل بهدوء من أجل تعزيز فرص انفصال الجنوب عن الشمال, وإن كانت بعض إجراءاته تتجه صوب خلق حالة من توازن القوة بين الشمال والجنوب,
والتي يمكن أن تستثمرها القوى الرافضة للوحدة وهي الأقوى والأكثر شعبية في الجنوب في اتجاه تعزيز عوامل الانفصال من دون مخاوف الانهيار التي كانت وما زالت قائمة بفعل عدم وجود مؤسسات قادرة على
النهوض بمتطلبات هذه الدولة على المستويات المختلفة.
*كاتب صحافي من جنوب اليمن