عشرة أعوام مضت، والمستنقع يزداد عمقًا، يتسع ليتسع معه الخراب، تتكدس فيه مخلفات الفساد من كل صنف ولون، يطفو فوق سطحه زبد من قرارات جوفاء، أوراق كرتونية بالية أُعدّت لذر الرماد في العيون، قوانين لم تُشرّع إلا لحماية المفسدين، وأوامر نُفّذت لتثبيت أقدامهم على رقاب العباد.
في زوايا المستنقع، تتناثر بقايا أعلاف الأحصنة، تلك التي التهمها أصحاب النفوذ حتى التخمة، بينما الجوع ينهش أجساد الفقراء الذين لم يجدوا سوى الفتات، وعلى الضفاف، تراكمت نفايات السادة، أولئك الذين اغتصبوا الحقوق تحت شعارات زائفة، صدّروها للناس وهم يُراكمون الثروات خلف الأبواب المغلقة، يتحدثون عن العدالة وهم أول من يدوسها، يرفعون رايات الإصلاح وهم أصل الداء، يَعِدون بالمستقبل وهم يسرقون الحاضر.
ليسوا وحدهم، بل كان لهم شركاء، بعض الإخوة الذين انضموا إليهم، تقاسموا معهم المستنقع، تمددت أذرعهم في كل اتجاه، نشروا الفساد في كل زاوية، وأصبحت البلاد غنيمة يتنازعونها بينهم، حتى بات الصالحُ طريدًا والمُصلحُ متَّهَمًا، وأصبحت الحقيقة جريمة، والسكوت قانونًا غير مكتوب يُفرض بالقوة والتهديد.
عشرة أعوام، والناس يصرخون، يئنّون من الضيق، من القهر، من ضياع الفرص، من أحلام تلاشت في طين المستنقع الآسن، سنوات مرّت وهم يتفرجون على أحوال البلاد تتهاوى، على الموارد تُنهب، على الحقوق تُغتصب، على الأمل يُدفن تحت أنقاض الفساد، لم يعد هناك مجال للصبر، فالجراح أعمق من أن تلتئم بالكلمات، والغضب أشد من أن يُطفأ بالوعود.
أيها الغارقون في المستنقع، ألم تدركوا بعد أن الماء الآسن لا يحفظكم، بل يغرقكم؟ ألا ترون أن الأرض التي دنّستموها ستلفظكم كما لفظت قبلكم من ظنّوا أنهم خالدون؟ ألم يحن الوقت لتنتشلوا أنفسكم قبل أن يأتي الطوفان، قبل أن تتحطم قلاعكم الورقية أمام العاصفة التي لا تُبقي ولا تذر؟
المستنقع لا يُصلح نفسه، ولا يجف من تلقاء ذاته، بل يحتاج إلى من ينظفه، إلى من يجفّف أوحاله، إلى من يزيل جذور الفساد من أعماقه، ليحوله إلى أرضٍ صالحة، خصبة، تُزهر فيها العدالة، وتتنفس فيها الحرية، وتُستعاد فيها الحقوق المسلوبة.
أما آن الأوان؟