بعد الانهيار شبه التام للمنظومة الاقتصادية والخدماتية في الجنوب، أصبحت الأوساط السياسية تتحدث عن توجه إقليمي ودولي محتمل ومفترض لهيكلة المجلس الرئاسي والحكومة.
ولا شك أن هذه الهيكلة تقتصر على السلطة التي ستحكم الجنوب فقط، في ظل السيطرة الكاملة والمطلقة للحوثيين على شمال البلاد.
وهنا لا بد من التذكير ببعض الأمور "لعل الذكرى تنفع المؤمنين"، وهو أنه منذ العام 1994م إلى اليوم، رأينا كثيرًا من الشخصيات التي تناوبت على منصب رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء، ومعظمها - إن لم تكن كلها - تنتمي إلى حزبي المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح، وهما حزبان شماليان من حيث الأدلجة والنشأة والأهداف، ولم يلتمس شعب الجنوب خيرًا في جميع تلك التغييرات، بقدر ما تزايد الحال سوءًا بصورة تصاعدية ملحوظة، وصولًا إلى سلطة اليوم في الرئاسة والوزراء، التي تمارس مهامها التدميرية بحق شعب الجنوب في أبشع صورها المنكرة.
هذان الحزبان وقواتهما الهمجية هما من شنّا الحرب الظالمة على الجنوب في العام 1994م، التي انتهت باحتلاله في العام ذاته، والسيطرة على مقدراته وثرواته بصورة تامة، وهما من شنّا الحرب على الجنوب مرة أخرى في العام 2015م بقيادة الحوثيين، فكأنّ هذين الحزبين تأسسا على مبدأ واحد، ولتحقيق هدف واحد، وهو تدمير الجنوب أرضًا وإنسانًا، ونهب ثرواته، وتوريدها إلى أرصدة وحسابات قياداتهما؛ ومن ثم ترسخ في عرفهما السياسي والإداري أن الجنوب ما هو إلا مصدر للثراء والكسب، ومكافأة لزعماء الحزبين الذين يتربعون على عرش السلطة، فتوارثوا هذه العقيدة في عقلياتهم المهووسة بالفيد والغنيمة، وصار جميعهم ينظرون للجنوب من هذه الزاوية.
اليوم، وبعد حرب 2015م، التي يفترض أنها أنتجت متغيرات جيوسياسية واضحة، بعد أن أصبح الحوثيون يحكمون شمال اليمن، وأصبح الجنوب في غالبيته العظمى تحت سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي، إلا أن الممارسة السياسية لإدارة الجنوب ما زالت كما كانت منذ العام 1994م، وكأنها أصبحت شعيرة سياسية مقدسة بيد هذين الحزبين، لا يجوز الحياد عنها، إذ ما زالت شخصيات رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء تنتمي لهما، بالرغم من رفضها شعبيا على الساحة الجنوبية، صحيح أن بعض هذه القيادات جنوبية، ولكن ولاءها المطلق كان لحزبها الذي تنتمي إليه(المؤتمر أو الإصلاح) وليس للجنوب والجنوبيين.
وبعد تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي نال تأييدًا شعبيًا جارفًا، وقبولًا إقليميًا ودوليًا، وأصبح الطرف الوحيد على الساحة الذي يمتلك المصداقية والثقة لدى الحلفاء في الإقليم والعالم، وأصبحت قواته هي القوة الموثوقة والوحيدة في الساحة، التي أثبتت للعالم قدرتها على مكافحة الإرهاب والتصدي للحوثيين، والانتصار عليهما في جبهات القتال المختلفة، بفعل عقيدتها الوطنية الراسخة، وولائها المطلق لقيادتها السياسية في المجلس الانتقالي الجنوبي، ممثلة بالقائد الرمز اللواء عيدروس الزبيدي، القائد الأعلى للقوات المسلحة الجنوبية، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، ونائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي.
إذن، ما دام القيادة السياسية للمجلس الانتقالي الجنوبي تمثل إحدى الأعمدة الأساسية الصلبة، التي بُنيت على عاتقها الانتصارات الأمنية والعسكرية، وما دام العالم والإقليم على قناعة كاملة بكفاءة القوات الجنوبية وقدرتها على صناعة المتغيرات، فلماذا لا يكون الإقليم والعالم على قناعة بإدارة البلاد من قبل تلك القيادة السياسية التي أثبتت نجاحها وفاعليتها على الأرض؟ وأقصد هنا قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي، لأن إدارة الجنوب من قبل هذه القيادة سيحقق نوعًا من التناغم والانسجام في إدارة البلاد على مستوى السلطة المدنية والمؤسسة العسكرية والأمنية من جهة، وسيحقق أيضا نوعا من الالتفاف الشعبي والمساندة الشعبية والرضا الجماهيري لهذه السلطة التي تمثلهم من جهة أخرى، وهذا التناغم على المستويات الثلاثة(السياسي المدني والعسكري والشعبي)، هو أحد الشفرات الفاعلة لفتح البنية المغلقة في إدارة البلاد، لكون المجلس الانتقالي يعد العنصر المهيمن على الساحة الوطنية، ويمتلك أكثر من غيره من مقومات النجاح لإدارة البلاد، وهذه هي الذكرى التي ينبغي تذكيرها لدول الإقليم والعالم، إذا أرادوا من هذه الهيكلة إصلاح حال الشعب في الجنوب، وكفى الله المؤمنين شر المكايدات السياسية، لأن إعادة إنتاج المؤتمري والإصلاحي لإدارة الجنوب من عدن، تعني إعادة إنتاج الأزمات بصورة أكثر حدة، والاستمرار في استفزاز شعب الجنوب، الذي ضاق صبره وطال انتظاره، ولن يصمت بعد الآن أن يحكمه أعداؤه من عقر داره، وهو يتولى مهمة حمايتهم، في الوقت الذي يمعنون في إذلاله وتعذيبه وتجويعه، وهذه مفارقة عجيبة لا يقبلها عقل ولا منطق.