في مثل هذا اليوم، السابع والعشرين من أبريل عام 1994م قبل ما يزيد عن ثلاثة عقود شنتقوات الاحتلال اليمني حربًا مفتوحة على شركاء الوحدة في الجنوب، مستخدمة القوة العسكرية المفرطة لسحق حلم الوحدة السلمية وتحويلها إلى احتلال دموي، أنهى معها أحلام الشعب الجنوبي بمشروع وحدة طوعية قائمة على الشراكة والاحترام المتبادل.
كانت نوايا الغدر لدى الطرف الشمالي متوفرة حتى قبل تحقيق الوحدة، فعمل نظام علي عبدالله صالح على تسخير الإمكانيات المالية والعسكرية واستنفار القوى القبلية والدينية بهدف التخلص من الشركاء الجنوبيين لتبدأ فصول مسلسل طويل من الاغتيالات والتصفيات للقيادات الجنوبية وسط حملة ممنهجة للتحريض على الجنوب وشعبه سخرت الدين واستخدمت الفتاوى الدينية في تبرير جرائمها.
في صبيحة ال27 من إبريل 1994م أعلن المجرم علي عبدالله صالح حربه الشاملة على الجنوب إسقاط الوحدة وتحويل الشراكة إلى احتلال.
سقطت العاصمة الجنوبية عدن في السابع من يوليو 1994م ليشاهد العالم بأسره أبشع جرائم القتل والنهب والسلب واقتحام المنازل والسيطرة على المؤسسات العامة وتدمير كل مقومات الدولة الجنوبية ومعابم هويتها الوطنية بصورة همجية أظهرت للعالم مدى تخلف وهمجية القوى القبلية القادمة من كهوف وأدغال اليمن.
بعد الاحتلال تعرض مئات الآلاف من الجنوبيين للتسريح القسري من الجيش والأمن والوظائف المدنية، فيما حُرم أبناء الجنوب، وهم الملاك الحقيقيون للأرض والثروة، من أبسط حقوقهم الأساسية ونهب المحتلون آلاف البيوت وشردت الالاف من الأسر فيما امتلأت سجون الاحتلال بعشرات الالاف من المواطنين الجنوبيين.
*من الوحدة الطوعية.. إلى الاحتلال القسري*
دخل الجنوب الوحدة في 22 مايو 1990م بشروط سياسية ودستورية متكافئة مع الجمهورية العربية اليمنية، لكن الطرف الآخر سرعان ما غدر بالاتفاق، وعمل على تهميش الجنوب، وإقصاء كوادره من مواقع القرار السيادي.
وبحسب باحثين، فقد بدأت الخلافات الجوهرية تظهر بعد أقل من عام على إعلان الوحدة، نتيجة استحواذ نظام صنعاء على مراكز القوة والثروة، والتعامل مع الجنوب كفرع تم ضمه، لا كشريك مساوٍ.
وفي 7 يوليو 1994م، دخلت قوات الاحتلال اليمني العاصمة عدن بالقوة، معلنة نهاية الوحدة وتحولها إلى احتلال عسكري مكتمل الأركان.
يقول الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي: "لقد دخلنا الوحدة طواعية في 1990م، لكننا تعرضنا للغدر، وتحولت الوحدة إلى احتلال عسكري في 1994م، واليوم نؤكد أن مشروع استعادة الدولة الجنوبية قادم لا محالة، بإرادة شعب الجنوب الحي."
*27 أبريل 1994م: إعلان الحرب تحت غطاء الفتاوى الدينية*
لم يكن 27 أبريل 1994م يومًا للديمقراطية كما يروج له إعلام الاحتلال اليمني؛ بل كان يومًا لانطلاق الحرب على الجنوب بدعم وفتاوى دينية أصدرتها شخصيات محسوبة على تنظيم الإخوان الإرهابي، أجازت قتل الجنوبيين واستباحة أرضهم وثرواتهم، فيما يُعد وصمة عار في تاريخ ما يسمى بـ"الوحدة اليمنية".
كثفت القوى الدينية في الشمال حملاتها الدعائية ضد الجنوب وعقد رجال الدين خصوصاً في حزب الاصلاح آلاف المحاضرات في المساجد والمعسكرات والساحات مسخرين الدين في تبرير حربهم القذرة على الجنوب.
توجت هذه الحملة الدينية الشرسة بصدور ما أطلق عليها بفتوى الديلمي والتي تلاها وزير العدل اليمني عبد الوهاب الديلمي والتي نصت على جواز قتل الأطفال والنساء في الجنوب واعتبار الشعب الجنوبي كافراً.
بموجب هذه الفتوى وحملات التحريض الديني ضد الشعب الجنوبي ارتكبت المليشيات اليمنية جرائم حرب بشعة وقتلت الأطفال والنساء ودمرت البيوت على رؤوس ساكنيها ومنعت دخول الغذاء والدواء إلى المدن الجنوبية المحاصرة.
*حرب شاملة على الجنوب
بعد إعلان الحرب، تعرض الجنوب لحملة قصف مدمرة شملت العاصمة عدن وكافة المدن الجنوبية انتهت بسقوط الجنوب ودخول الاحتلال إلى العاصمة عدن لتبدأ معه مشاهد نهب الوزارات والمؤسسات والمصانع والبنوك الجنوبية واقتحام البيوت وتشريد السكان وتصفية المدنيين، تسريح مئات الآلاف من العسكريين والمدنيين الجنوبيين قسرًا واغتيال عشرات القادة العسكريين والأمنيين والسياسيين الجنوبيين ونهب آلاف الأراضي والعقارات ومقدرات الدولة الجنوبية.
*التسريح والإقصاء
بحسب تقارير منظمات حقوقية جنوبية، فقد تم تسريح أكثر من 120 ألف عسكري جنوبي بعد حرب صيف 1994م، إضافة إلى عشرات الآلاف من الموظفين المدنيين.
وفي إحصائية صادرة عن مركز الدراسات الجنوبية، تشير الأرقام إلى أن حوالي 85% من الكوادر الجنوبية تم تهميشها من المؤسسات الرسمية التي وقعت تحت سيطرة نظام صنعاء.
وتم نهب أكثر من 200 شركة ومصنع جنوبي، والاستيلاء على آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية والسكنية المملوكة للدولة والمواطنين الجنوبيين.
*الجنوب يقاوم
رغم محاولات الطمس والإلغاء، خرج ملايين الجنوبيين منذ عام 2007م في مسيرات مليونية مطالبة باستعادة دولتهم المسلوبة، مؤكدين رفضهم للوضع المفروض بقوة السلاح.
وبفضل صمود شعب الجنوب وتضحياته الكبيرة وتحريره لأرضه ووطنه بالقوة والسلاح عاد اليوم محرراً وخرج الاحتلال اليمني صاغراً واصبح الجنوب اليوم يمتل جيشًا وأمنًا وطنيًا قويًا وتمثله قيادة سياسية حكيمة يقودها الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي
كما بات الجنوب اليوم يفرض إرادته على أرضه، مؤكدًا أن الجنوب حيٌ لا يموت، وأن مشروع استعادة الدولة بات أقرب من أي وقت مضى.
*التحولات الكبرى
اليوم، وبعد 31 عامًا من الاحتلال بات الجنوب يمتلك قيادة موحدة ممثلة بالمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يحظى بشرعية شعبية واسعة، وعلاقات دولية آخذة بالتوسع.
اقتصادياً رغم التحديات، يشهد الجنوب حراكًا اقتصاديًا متصاعدًا، مع اهتمام دولي متزايد بالاستثمار في البنية التحتية والموانئ والموارد.
كما يتعزز الوعي الوطني الجنوبي جيلاً بعد جيل، وتُبنى مؤسسات تعليمية وثقافية تعزز الهوية الجنوبية.
وبعد أن عاث الاحتلال اليمني في الجنوب فساداً وقتلاً وتدميراً عاد الجيش الجنوبي ليحمي أرضه ووطنه ويخرج المحتل اليمني بقوة الإرادة والحديد والنار
*رسالة حاسمة للرأي العام
إن قضية شعب الجنوب ليست مجرد قضية انفصال كما يحاول البعض تشويهها، بل هي قضية استعادة دولة ذات سيادة، تم احتلالها بالقوة في صيف 1994م، في خرق صارخ لكل الأعراف والمواثيق الدولية.
وبات واضحًا أن أي وحدة تقوم على الإكراه والسلاح ليست شراكة بل ضمًا واحتلالًا، مما يوجب على المجتمع الدولي احترام إرادة شعب الجنوب ودعمه في مسعاه المشروع نحو استعادة دولته الفيدرالية المستقلة.
*الجنوب اليوم
تحول الجنوب من أرض محتلة في 1994م إلى وطن يفرض إرادته السياسية والعسكرية على الأرض.
وباتت العديد من الدول الإقليمية والدولية تتعامل مع الجنوب كقوة قائمة بذاتها، الأمر الذي يفتح أفقًا واسعًا لحل عادل لقضيته، وفقًا للقانون الدولي ومبدأ تقرير المصير.
في الذكرى الـ31 لإعلان الحرب العبثية على الجنوب، يؤكد الجنوبيون أن معركتهم لم تكن يومًا ضد الشعب في الشمال، بل كانت معركة دفاع عن الأرض، والهوية، والدولة، والكرامة.
وها هو الجنوب اليوم، بقيادته السياسية الحكيمة وقواه العسكرية والأمنية، يسير بخطى واثقة نحو استعادة دولته الفيدرالية كاملة السيادة، مهما بلغت التحديات وتعاظمت المؤامرات.