في الأول من أغسطس، لم يُغتال رجل فحسب، بل ارتجّت معه القلوب، وخيّم الوجع واستوطن في صدورنا.
لكن ذاك الدرع الذي لا يُسلم، والذي لا تنكسر قواه، ظلّ صوتًا لا يلين، ينبض فينا بكل قوة وصمود.
لم يكن مجرد قائد ميداني، بل كان المعنى الحيّ للقضية الجنوبية، وكان صوته أعلى من الرصاص، وموقفه أصلب من كل تسويةٍ واهنة.
لقد كان مشروع وطن لا مشروع فرد، كان يمشي في الميدان كما النسر في العاصفة: رأسه مرفوع، وخطاه لا ترتجف. لم يُهادن في الحق، ولم يُساوم على الكرامة، في وجه الغدر كان صنديدًا، وفي حضرة رفاقه كان أخًا وسندًا، وحين تكلّم، صمتت البنادق احترامًا، لأن كلماته كانت رصاصًا أنيقًا في معركة الوعي.
لم يكن استشهاده حادثة عابرة تُطوى في سجل الميدان، بل منعطفًا حادًا في ذاكرة الجنوب، كان إعلانًا دامغًا بأن هذا الطريق لا يُعبّد إلا بدماء العظماء، ولا تمضي فيه إلا الهامات التي تعانق السماء.
لقد أرادوا باستهدافه أن يُطفئوا نار الإرادة، لكنهم أشعلوا فينا ألف شعلة.
أرادوه قبرًا للصوت، فإذا به صدى خالدًا يتردد في كل قلب جنوبي حرّ.
لم يمت أبو اليمامة، بل ارتقى.
ارتقى إلى مقامٍ لا تطاله يد، ولا تُدنسه دعاية
في ذكراه، لا نحزن لأننا فقدناه، بل نسمو لأننا عرفناه.
نستحضر قسمه فينا، ونردد خلفه الوعد:
> “لن تسقط راية الجنوب، ما دامت فينا روح تستنشق الحرية، وما دامت في تفاصيل الجنوب قلوب تنبض للكرامة.”
في ذكرى أغسطس الأليم، الذي ودّع فيه الجنوب أبا اليمامة ورفاقه الأبطال، سطّرت الأرض الحرة معاني الفداء، ورسخت في وجداننا أن الحرية لا تُمنح بل تُنتزع، وأن دماء الشهداء هي البوصلة، وهي المعيار.
سلامٌ على ترابٍ سقطت فيه شهيدًا، وسلامٌ على دربٍ عبدته لنا بدمك الطاهر.
الرحمة والبركة لشهدائنا الأبرار
رحم الله أبا اليمامة، أيقونة الفداء، وصقر الجنوب، ووجه المدينة البهيّ.
ورحم الله كل الرفاق الأبطال الذين ضحّوا بدمائهم من أجل هذا الوطن الغالي.
رحم الله شهداء الجنوب قاطبة، وأسكنهم فسيح جناته، وألهمنا الصبر والسلوان ، رحم كل من دافعوا عن كرامة الجنوب، و قدّموا أرواحهم فداءً للحرية والكرامة.
اللهم اجعل دماءهم شجرة ظلّ تنمو في أرض الجنوب، وتثمر حرية وعدلاً أبديين.
اللهم اجعل وطننا الجنوب آمنًا، .
كان ذلك اليوم مُتعبًا للوطن... الأصوات من كل اتجاه، والرحيل من خاصرته.
وآب، لم يكن يوم من شهر عادي، بل وجهًا من أوجه الوطن المفقود.