في البداية تخوف الجميع من أي ارتداد قد يحدث في سعر صرف العملة المحلية، في ظل عدم نشر خطة إصلاحات اقتصادية واضحة المعالم التي يبدو أن رئيس الوزراء سالم بن بريك والبنك المركزي، منفردين تبنوها بدعم من الدول الكبرى. شيئا فشيئا بدأت الأمور تتضح أكثر من السابق، وأصبح تقييم معطياتها في موجتها الأولى ممكنا، بعد أن كان في بدايتها صعبا أو مستحيلا.
الجميع متفائل بما حدث رغم عدم صرف المرتبات في موعدها من خلال تعزيز المرتبات في وقتها.. أو تخفيض أسعار السلع والخدمات مقارنة بالانخفاض الذي حصل في سعر الصرف.
تكامل السياستين المالية والنقدية هو أحد مفاتيح هذه الانفراجة، حيث يجب أن تتناغم مع بعضها البعض.
في هذه المرحلة بدأت أولى خطوات لجنة التمويل والاستيراد رغم صعوبتها خلال هذه الفترة إلا أنها لو طبقت بحسب المخطط لها ستنجح. ولكن يفترض أن يتم الإعلان عن جميع المعالجات الجديدة دفعة واحدة، فهذا سيؤدي إلى خلق حالة من الاطمئنان في السوق.
أما الاعتماد على البنوك المحلية لتغطية قيمة الواردات، فهذا يعتبر مؤشر خطير مالم تتدخل الدولة، وتساهم بمبلغ كبير في موضوع تمويل الصادرات.. مع ضرورة اعتماد الشفافية في التعامل مع الجهاز المصرفي.
الابتعاد عن إهدار العملة الأجنبية من خلال المزادات غير المجدية أمر كان يجب اتخاذه من قبل.. ولكن أن تأتي متأخرا خيرا من ألا تأتي مطلقا.
الدورة النقدية يجب أن تكتمل حلقاتها سواء للعملة المحلية أو للعملة الأجنبية لتؤدي دورها الطبيعي.
إتخاذ مجلس الوزراء لقرارات شجاعة تكمل بعضها البعض خطوة متقدمة تضاف إلى سلسلة التحديات التي يواجهها رئيس الوزراء خلال هذه الفترة. فمقاومة التغيير أمر وارد ويجب الوقوف بجانبه وعدم خذلانه.
بث الطمأنينة لرأس المال المحلي يعتبر من متطلبات المرحلة المقبلة بحيث لا يترك الأمر لجهات لا علاقة لها بالأمور الاقتصادية، أو لعاطفة المواطن.
تسعير العملة الأجنبية يعتبر أمر غير منطقي في ظل عدم وجود احتياطيات كافية ليتدخل البنك المركزي في السوق لإعادة التوازن للسعر المحدد من قبله للصرف.
على الرغم من أن جمعية الصرافين غير رسمية وليس ضمن مهامها أو اختصاصها تسعير العملة المحلية إلا أنه جاء ليواكب توجه الحكومة والبنك المركزي للإصلاحات.. وكان من المفترض أن يتبنى البنك المركزي هذا الأمر مبكرا.
إعلان بعض الجهات بما فيها جمعية الصرافين أن لها الفضل في ما يحدث حاليا يعتبر بمثابة البحث عن نصر سياسي غير واقعي، فتصريح المتحدث الرسمي باسمها بأن الجمعية تخطط لما حدث مؤخرا من قبل سنتين يعتبر أمر غير صحيح البتة.
لازالت الأسعار مرتفعة مقارنة بانخفاض سعر الصرف، وهو أمر مقبول ومنطقي خلال المدى القصير مع وجوب تحسنه خلال المدى المتوسط في ظل استمرار الإجراءات المتخذة.
وعليه، يعتبر قرار مجلس الوزراء بعدم التعامل بالعملات الأجنبية في التعاملات المحلية قرار مهم، ولكن من الصعوبة تطبيقه على أرض الواقع.. وسيتعارض مع قوة مؤثرة بشكل كبير في السوق، فإلى حد الآن هناك قطاعات لازالت تسعر سلعها وخدماتها بالعملة الأجنبية.
لذلك على الحكومة تفعيل جميع الأجهزة الرقابية بعيدا عن تدخل الأجهزة الأمنية والمواطنين لما له من ضرر مباشر على الجميع. كما لابد من الإشادة بقرارات رئيس الوزراء الأخرى وفي مقدمتها إلزام جميع الجهات الحكومية والمحافظات بالتوريد للبنك المركزي، وضبط الإنفاق العام خصوصا عدم صرف مرتبات للطاقم المتضخم في الخارج الذي كان يستنزف خزينة الدولة من العملة الأجنبية.. فتسعير العملات الأجنبية يتطلب وجود احتياطي من العملات الأجنبية لدى البنك المركزي ما لم سيخلق سوق سوداء لبيع وشراء العملات الاجنبيه خارج سيطرة ونطاق البنك المركزي.
هنالك، خطوات وقرارات ومعالجات على الرغم من صدورها متاخرا وعدم نشرها ووضوحها إلا أنها تصب في مصلحة المواطن و تدغدغ عاطفته إيجابيا. مع ضرورة العمل على توفير الخدمات الأساسية للمواطن والغاء أي جبايات غير قانونية.
وعلى الجميع الوقوف إلى جانب رئيس الوزراء والبنك المركزي فبمجرد تغلب المتضررين مما حدث مؤخراً ستكون النتيجة كارثية لا سمح الله. مع ضرورة الإنتباه إلى أن جني جميع ثمار كل هذه القرارات لن يكون في الأمد القصير بل متوسط الأجل
في هذه المرحلة يتطلب من البنك المركزي العمل توفير أقصى حد ممكن من العملة الأجنبية لتغطية حاجة السوق إليها دون خلق مضاربات خارج سعر الصرف المحدد من قبل جمعية الصرافين. فخلق سوق موازي ضمن الاقتصاد الخفي سيعقد الأمور بشكل أكبر.
هذا الأمر من شانه إيجاد حالة من الاطمئنان لدى التجار بأن البنك المركزي قادر على تغطيه طلبهم من العمله الأجنبية، دون البحث عنها من مصادر أخرى قد تكون بكلفة أعلى من السعر المحدد من قبل جمعية الصرافين.
الوعي المجتمعي بعيدا عن العاطفة له دور كبير في استمرار هذا الانخفاض، وجني ثماره الا أن بعض الأشخاص يحاول الإساءه لعدد من الشركات أو المنتجات لغايه في نفسه تتنافى مع الأخلاقيات العامة. فالبيانات الصادرة عن بعض الشركات مبررة ومنطقية في ظل عدم وجود حاجتها من العملات الأجنبية، في السوق بالسعر المعلن ويؤدي لتآكل رؤوس أموالها.
وإذا ما استمر الحال على هذا الوضع سنشهد انهيارات لبعض الكيانات الاقتصادية داخل البلاد.. واعتقد أن ما يحدث حاليا يهدف إلى بعض التصفيات السياسية لعدد من الشخصيات في بعض المكونات.
في انتظار ما سيتوضح خلال الفترة القادمة مع كل الأمل أن يكون خيرا بإذن الله
*أستاذ العلوم المالية والمصرفية المشارك بجامعة حضرموت