الأبعاد والدلالات الاستراتيجية لمشاركة الرئيس الزُبيدي في الدورة (٨٠) للأمم المتحدة

الأبعاد والدلالات الاستراتيجية لمشاركة الرئيس الزُبيدي في الدورة (٨٠) للأمم المتحدة

قبل ساعة
الأبعاد والدلالات الاستراتيجية لمشاركة الرئيس الزُبيدي في الدورة (٨٠) للأمم المتحدة
تحليل / د. يحيى شايف ناشر الجوبعي:*

أ-المقدمة
١-أهمية البحث
  تبرز أهمية هذا البحث في كونه يسلط الضوء على لحظة مفصلية في تاريخ قضية شعب الجنوب ، حيث انتقل المجلس الانتقالي الجنوبي برئاسة الأخ الرئيس القائد عيدروس قاسم الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي والقائد الأعلى للقوات المسلحة الجنوبية ونائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي من دائرة التلقي إلى دائرة التأثير والمشاركة الفاعلة في صناعة التصورات المستقبلية لمستقبل اليمن والجنوب بشكل خاص ، في ظل تعثر مسارات التسوية ، وتزايد الحاجة الدولية إلى شركاء موثوقين على الأرض كالمجلس الانتقالي الجنوبي.
٢-أهداف البحث
-تحليل الخلفيات السياسية لمشاركة الرئيس الزُبيدي في الدورة الـ(٨٠) للأمم المتحدة.
-استكشاف الرسائل السياسية والرمزية المتضمَّنة في اللقاءات الثنائية ومتعددة الأطراف التي عقدها الرئيس الزُبيدي.
-تقييم أثر هذه المشاركة على مستقبل الحل السياسي في اليمن ، ومكانة الجنوب فيه.
٣-مشكلة البحث
تسعى هذه الدراسة إلى تفكيك وتحليل أبعاد ودلالات مشاركة الرئيس الزبيدي في هذا المحفل الأممي الهام ، في ظل السياقات السياسية المتشابكة محليًا وإقليميًا ودوليًا، وتحديد ما إذا كانت هذه المشاركة تشكّل تحولًا نوعيًا في موقع الجنوب ضمن الخارطة السياسية اليمنية ، أم أنها تأتي ضمن إطار تمثيلي رمزي.
٤-منهجية البحث
اعتمد البحث على المنهج التحليلي الوصفي ، مستندًا إلى الوقائع الرسمية والتصريحات الموثقة والتفاعلات الدبلوماسية ، مع قراءة سياقية للخطابات والإشارات السياسية ضمن أطرها الإقليمية والدولية.

ب-تمهيد
يشكّل حضور القادة السياسيين في المحافل الدولية مؤشّرًا بالغ الدلالة على حجم التأثير الذي باتوا يتمتعون به ، وعلى الموقع الذي تحتله قضاياهم في أجندة المجتمع الدولي . 
وفي سياق المسار اليمني والجنوبي بشكل خاص ، جاءت مشاركة الرئيس عيدروس قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي ونائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي وللمرة الثالثة في دورات الجمعية العامة للأمم المتحدة ، ولاسيما في الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة ، لتفتح فصلًا سياسيًا جديدًا في الحضور الجنوبي على الساحة الدولية ، حيث انتقل الخطاب من مجرد تفاعل هامشي إلى تقديم رؤية سياسية ناضجة تُخاطب العالم بلغة المصالح المشتركة ، والتنمية ، والسلام العادل.

ج- نقاط البحث
  تبلور البحث في ثلاثة محاور على النحو الآتي:

المحور الأول:
دلالات البعد السياسي والرمزي للمشاركة :
 
وتتجسد بالآتي :
١-مشهدية الحضور
يشير الحضور الرسمي للرئيس الزُبيدي في افتتاح الجلسة العامة للأمم المتحدة في دورتها ال(٨٠) إلى اعتراف عملي – وإن لم يكن صريحًا – بدوره كأحد أبرز الفاعلين في المعادلة السياسية اليمنية والجنوبية بشكل خاص . 
إن جلوسه على ذات الطاولة الأممية التي ضمّت زعماء دوليين يعكس انتقاله من موقع الجهة المطالِبة إلى موقع شريك سياسي ذي مشروعية إقليمية ودولية .
٢-الخطاب السياسي الجديد ، إذ برز الرئيس الزُبيدي في نيويورك كقائد يحمل مشروعًا سياسيًا مكتمل الأركان ، يتحدث بلغة تتقاطع مع اهتمامات المجتمع الدولي أبرزها : السلام المستدام ، التنمية، الأمن البحري ، وحقوق الإنسان . 
كما أن خطابه لم يكن خطابا شعبويًا ، بل اعتمد على الواقعية السياسية ، من خلال الدعوة إلى حل الدولتين ، مستندًا إلى واقع ميداني واعتراف ضمني بالتقسيم القائم فعليًا على أرض الواقع .
٣-اللقاءات الثنائية : 
كشفت لقاءات الرئيس الزبيدي مع كل من قادة العراق وسوريا وألمانيا وكرواتيا ، وغيرها من الدول ، عن تحول نوعي في التمثيل الجنوبي من كيان محلي إلى شريك دبلوماسي يمتلك ورقة سياسية تُعرض على طاولة المفاوضات الدولية تعزز من تثبيت المكانة الجنوبية .
علما بأن تلك اللقاءات لم تكن مجاملة دبلوماسية بل حملت مضامين واضحة : مفادها أن الجنوب شريك في التسوية ، وفي صناعة مخرجات السلام ، وفي تحقيق الأمن والسلم الإقليمي ، والدولي .

المحور الثاني:
الأبعاد الجيوسياسية والاقتصادية والإنسانية للمشاركة :

وتتجسد في الآتي: 
١-الجنوب كمركز وممر استراتيجي . 
لقد أدرك الرئيس الزُبيدي في كل لقاءاته مع مسؤولي الأمم المتحدة وعدة قيادات إغاثية على أهمية تقديم الجنوب كممر بحري حيوي ، ومركز عمليات إنساني آمن ومستقر . كما تمثّلت رؤيته في:
الدعوة لنقل مكاتب المنظمات الأممية إلى عدن ، بالإضافة إلى إهتمامه وحرصه في   تعزيز الشراكة مع برنامج الغذاء العالمي ، واللجنة الدولية للإنقاذ ، مسلطا 
الضوء على انتهاكات الحوثيين لحرية العمل الإنساني بهدف إبراز بيئتين الأولى مستقرة في الجنوب والأخرى ملتهبة في الشمال.
٢-تعزيز بيئة الاستثمار
وفي هذا الجانب عكست لقاءاته مع المنتدى الاقتصادي العالمي ، ومناقشاته لمشاريع الطاقة النظيفة والفرص الاستثمارية، سعيًا لإعادة تعريف الجنوب ليس فقط كقضية سياسية، بل كـأرض واعدة اقتصادياً، إذ سعى بهذه اللغة الجديدة إلى :
كسب دعم القطاع الخاص الدولي ، وتأطير الجنوب كـشريك استراتيجي في أمن الطاقة ، كما هدف من ذلك إلى كسر الصورة النمطية عن الجنوب كمنطقة نزاع فقط.
٣-استثمار الذاكرة الجماعية للدول.
حمل لقاءالرئيس الزبيدي مع وزير خارجية كرواتيا العديد من الدلالات المشحونة بالمعاني الهادفة والدالة ، إذ لم يكن ذلك اللقاء عبثياً ؛ بل محاولة ذكية لاستثمار الذاكرة السياسية المشتركة في كفاح الاستقلال ، والربط بين تجربة جنوب اليمن ، وتجارب تحرر وطني معاصرة ، في رسالة ضمنية : مفادها بأن  الجنوب ليس استثناءً، بل حلقة في سلسلة نضالات الشعوب لنيل تقرير مصيره .

المحور الثالث: دلالات التأثير الاستراتيجي على المشهد اليمني والجنوبي والإقليمي.

وتتجسد في الآتي:
١-كسر الرئيس الزبيدي احتكار تمثيل الشرعية في المشاركات الدولية فلأول مرةيظهر الصوت الجنوبي بهذه القوة ضمن وفد الشرعية دون أن يُذوّب أو يُقزَّم ، بل حمل مواقفه بوضوح ، إذ تمكّن الرئيس الزُبيدي من إعادة تعريف الشرعية باعتبارها تشاركية متعددة الأصوات ، لا مركزية مطلقة .
٢-شكلت مداخلة الرئيس الزبيدي في جلسة مجلس الأمن تأثيرا مباشرا على مقاربات الحل ، فكلمته عن الذكاء الاصطناعي لم تكن تقنية فحسب ، بل سياسية بامتياز ، ولاسيما حين ربط بين الذكاء الاصطناعي وحق الشعوب في تقرير مصيرها ، محققا بهذه النقلة الفكرية السعي إلى إعادة وضع قضية شعب الجنوب ضمن أطر حقوقية وسيادية كبرى .
٣-أدت مشاركته في هذه الجلسات إلى توسيع دوائر التحالف مع دول أفريقية مثل أوغندا والصومال ، لمناقشة الأمن البحري ومكافحة الإرهاب ، مما يشير إلى رغبة الجنوب في توسيع تحالفاته ، بما يعزز من حضوره الإقليمي .

د-النتائج العامة 
١-بهذه المشاركة النوعية الفاعلة للرئيس الزبيدي ترسخت صورة الجنوب كقضية سياسية ناضجة، لا مجرد مكوّن جغرافي تابع.
٢-نجح الرئيس الزُبيدي في كسر الصمت الدولي حول حق تقرير المصير للجنوبيين.
٣-تم تثبيت دور المجلس الانتقالي الجنوبي كفاعل سياسي وشريك أمني وإنساني .
٤-أصبح الجنوب حاضرًا في حسابات القوى الدولية، لا فقط من منظور أمني، بل منظور اقتصادي واستثماري.
٥-تمت صياغة خطاب جنوبي متزن ، يجمع بين الواقعية السياسية والرؤية المستقبلية وبه تحوّل المجلس الانتقالي الجنوبي إلى لاعب إقليمي معترف به ضمن السياقات الدبلوماسية والدولية، بما يعزز من فرصه في المشاركة المباشرة بصياغة التسوية السياسية في اليمن المرهون نجاحها بحل قضية شعب الجنوب في سياقها الخاص المستقل .
٦-ظهور قضية شعب الجنوب ضمن خطاب دولي مسؤول، ما يؤشر إلى اختراق دبلوماسي فعّال للمجلس الانتقالي الجنوبي في دوائر الأمم المتحدة ومراكز القرار الدولي.
٧-نجح الرئيس الزُبيدي في تغيير موقع الجنوب من متلقي إلى مبادر ، عبر طرح رؤية واضحة لإنهاء الصراع ، ترتكز على حل الدولتين وحق تقرير المصير .
٨-عززت اللقاءات الثنائية والمتعددة الأطراف للرئيس الزبيدي من صورة الجنوب كشريك أمني واقتصادي في قضايا كبرى مثل مكافحة الإرهاب ، وحماية خطوط الملاحة ، والتوازن الجيوسياسي في البحر الأحمر .
٩-عكس تفعيل قنوات التعاون مع منظمات الإغاثة الدولية والمؤسسات الأممية انتقالًا في الخطاب الجنوبي من الشكوى إلى التفاوض والمساهمة في الحلول.
١٠-كسر الرئيس الزُبيدي احتكار التمثيل الشمالي لصوت اليمن في الأمم المتحدة ، وقدم نموذجًا سياسيًا بديلاً غير طائفي ، قائم على الشراكة والديمقراطية والتعددية .
١١-تم تقديم الجنوب في خطابات الرئيس الزُبيدي كبيئة آمنة حاضنة للاستثمار ، بعكس المناطق التي تخضع للحوثيين ، ما يفتح الباب لتدفقات اقتصادية مستقبلية.
١٢-إدراج الجنوب ضمن نقاشات تقنية كبرى مثل الذكاء الاصطناعي أتاح فرصة جديدة لوضع قضية شعب الجنوب في أطر الحداثة الرقمية ، والحكم الرشيد ، والتطور التكنولوجي .
١٣-فتح اللقاء مع جامعة كولومبيا الأكاديمية مجالًا لتدويل النقاش حول قضية شعب الجنوب في المحافل الفكرية والأكاديمية في الجامعات الغربية ، ما يُعد مسارًا موازيًا فاعلًا للدبلوماسية الرسمية.
١٤-أظهر الرئيس الزُبيدي قدرة عالية على الموازنة بين خطاب الدولة وخطاب التحرر ، مما عزز من صورته كقائد سياسي متزن غير متطرف، يحقق الوثوق به في مشاريع بناء السلام .
١٥-شكّلت مشاركة الرئيس الزُبيدي نقطة توازن داخل مجلس القيادة الرئاسي ، عززت من موقع الجنوب التفاوضي داخليًا، وفتحت بابًا لتعديل هيكلية السلطة مستقبلاً.
١٦-كشف الحضور الجنوبي في الأمم المتحدة عن وجود شبكة عمل دبلوماسي جنوبي منظّم ، أحدث قبولا إيجابيا لدى دول إقليمية وأممية ، تعترف بواقعية مشروع الجنوب.

ه-التوصيات العامة : 
١-ضرورة الاستمرار في تدويل قضية شعب الجنوب ضمن رؤية واقعية متدرجة، تجمع بين الحقوق السياسية والتنمية.
٢-أهمية إنشاء مراكز دراسات وأبحاث جنوبية ناطقة باللغات الأجنبية لتأطير الخطاب الجنوبي عالميًا.
٣-التاكيد على بناء تحالفات جنوبية مع القوى الناعمة الدولية (الجامعات، الإعلام، منظمات الحقوق).
٤-ضرورة الاستثمار في الدبلوماسية الاقتصادية والإنسانية، وتقديم الجنوب كمنطقة فرص لا منطقة أزمات.
٥-أهمية ترسيخ العمل المؤسسي للمجلس الانتقالي الجنوبي كواجهة شرعية لحمل مطالب الجنوبيين على المسرح الدولي .
التأكيد على الاستمرار في تفعيل الحضور الجنوبي في المؤتمرات الدولية، لا سيما في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي ، مع إعداد وفود متخصصة وقادرة على إدارة الحوار متعدد الأطراف.
٧-ضرورة تفعيل مكتب  المجلس الانتقالي الجنوبي في نيويورك  لمتابعة العمل الدبلوماسي الأممي وتوثيق العلاقات مع المندوبين الدائمين للدول الأعضاء.
٨-أهمية ترسيخ العلاقة مع مراكز الفكر الغربية  كأداة استراتيجية لإنتاج سردية جنوبية علمية تخدم قضية شعب الجنوب في الأوساط الأكاديمية وفي مراكز صناعة القرار.
٩-التأكيد على إنشاء فريق متخصص بالعلاقات الإنسانية والدبلوماسية الناعمة، لتفعيل دور الجنوب في المسائل الإغاثية والحقوقية، وتعزيز التواصل مع منظمات مثل الصليب الأحمر وبرنامج الأغذية العالمي.
١٠-ضرورة التوسع في بناء شراكات تنموية مع الدول التي عبّرت عن استعدادها للدعم ، مثل كرواتيا وألمانيا ، من خلال مشاريع مشتركة في قطاعات التعليم والصحة والبنية التحتية.
١١-أهمية تطوير استراتيجية إعلامية دولية تواكب الحضور السياسي، تشمل: إنتاج أفلام وثائقية، حملات على مواقع التواصل ، مقابلات مع صحف دولية ناطقة بالإنجليزية والفرنسية.
١٢-التأكيد على دعم وتمويل البعثات الأكاديمية والشبابية الجنوبية للمشاركة في المؤتمرات العالمية ، كرافد مستقبلي للنخب الدبلوماسية والسياسية .
١٣-ضرورة تكثيف العمل على تصحيح المفاهيم المغلوطة حول قضية شعب الجنوب لدى بعض الدوائر الأممية، وتوضيح الفرق بين مشروع الجنوب الوطني والمشاريع الطائفية أو الإرهابية في الشمال.
١٤-أهمية الاستفادة من تجارب الدول التي مرت بمرحلة استقلال نضالي أو تقرير مصير سلمي ، كجنوب السودان، وتيمور الشرقية، وكوسوفو، عبر اتفاقات تعاون أو لقاءات تشاركية.
١٥-التأكيد على الاستعداد المسبق لكل محفل دولي بوثائق ومواد علمية ومذكرات سياسية توضح رؤية الجنوب في المجالات الأمنية والاقتصادية والحقوقية، مع ترجمتها إلى اللغات الأجنبية.
١٦-ضرورة العمل على دعم مسار السلام الاقتصادي في الجنوب من خلال مشاريع استراتيجية تشجع على الاستقرار ، كالموانئ ، والمناطق الحرة، والطاقة المتجددة.
١٧-أهمية توسيع دائرة الشراكات مع دول الخليج العربي ومع دول القارة الأفريقية وغيرها من الدول المطلة على البحر الأحمر والقرن الأفريقي، لتعزيز الأمن البحري والتجارة المشتركة . 
١٨-التاكيد على المطالبة الرسمية بنقل المكاتب الأممية إلى عدن كعاصمة آمنة وشرعية، ودعم استقلالية المنظمات الإنسانية عن سيطرة الحوثيين في ةصنعاء.
١٩-ضرورة إدراج الجنوب ضمن الأجندة الدولية للأمن البحري ، والاستفادة من التهديدات الحوثية للملاحة الدولية كفرصة لتقديم الجنوب كخط الدفاع الأول عن الممرات البحرية .


*باحث ومحلل أكاديمي

التعليقات

الأكثر قراءة

اتبعنا على فيسبوك

اتبعنا على تويتر