الوحدة.. المَفهُوم غير المَوشُوم. (قراءة ومحاولة اقتراب)

الوحدة.. المَفهُوم غير المَوشُوم. (قراءة ومحاولة اقتراب)

قبل 9 سنوات

  تبدو كثير من مشاكلنا الاجتماعية والسياسية والثقافية.. لا مبرر لها في نضر الفاحصين الاجتماعيين ؛ ذلك من حيث ان مردُ معظمها الى التصورات الذهنية الخاطئة لدى كل الاطراف المتشاجرة .

وكنتيجة لحالة الجمود الرمزي -ثقافيا وسلوكيا - الذي تعاني منه الاطراف المشتجرة ؛ فانه من الطبيعي ان تتراكم الاوليات فوق بعضها لتشكل لاحقا جليد يصعب معه انجاز اية تفاهمات وعلى اية مستوى . اكان سياسيا او اجتماعيا او ثقافيا.. الخ.

في حين ان المشكلة ابتداءً كانت بسبب الازدواج في المفهوم.. اما لان الطرفين (او اكثر) قرأؤه قراءة طرفية كلا من زاويته ومصلحته الآنية .. او لان احدهم قرأه سلبا (بانانية) والآخر قرأه ايجابا بموضوعية .

ومالم تتوفر القراءة الوسطية التي تباشر الغايات والمقاصد لتُرسم على اساسها الحلول المستدامة ..فان مجرد الاشكال قد يتحول (مع التراكمات) الى مشكلة عصية ومعقدة مالم تزهق بسببها الارواح وربما تدمر معها الهُويات وتطمس معالم شعوب وامم باكملها.

 

فمفهوم الوحدة مثلا في الذهنية العربية وفقا للخارطة الببليوجرافية العربية ..ليس بمعزل عن الغرر الثقافي الذي انسحب في كل الاحيان التي حاول معها ان يتحول الى رسم تطبيقي قابل للتداول والتعميم في اطار الممكن السياسي المُعَزز بالنموذج التجريبي.. في كل الاحوال تحول الى مصيبة ومبرر عبثي فتاك.. بل كارثة لا يمكن معها معاودة التفكير في المفهوم من اساسه .. كما هو الحال بالنسبة لنا الجنوبيين مع مفهوم الوحدة (اليمنية). ولو تتبعنا مثلا دلالات تداول المفهوم من المنضور الجنوبي ويقابله المفهوم المتداول شمالاً .. سنجد ان المشكلة ليست عندهم ولا عندنا (طبعا اذا نظرنا لها من منظار مركزي فوقي عربي ) .. وهي ايضا ليست في الاستراتيجيات ولا في اشتداد المصالح ولا في الامن القومي العربي والا العالمي .. كما روِّج وراج حينها ولا زال.

 

وانما لكون الفكر العربي حتى الآن على الاقل في تعاطيه لمفهوم الوحدة ..فاااااشل بامتياز ..

ولا زالت الخارطة الببليوغرافية العربية تنشد وحدة يستحيل معها الحفاظ على السلم الاجتماعي فضلا عن عدم امكانية تحقيق التعايش الايجابي ولا انجاز العدالة الاجتماعية .. من حيث ان الوحدة السياسية والادارية والجغرافية امر مستحيل . ولا يمكن اطلاقا ان تكون في يوما ما واقعا ويكون معها استقرار من اية نوع ؛ او ان تكون نموذجا قابل للتداول والتفاوض او المشاركة الحضارية .. اذا اخذنا في عين الاعتبار فوارق الهويات التي بين مجتمعاتنا المحلية ؛ ومن باب اولى ينبغي بالحاح استحضار الفروق بل الفوارق بين مجتمعاتنا الاقليمية.

 

ما يستوجب على نخبنا العربية ومؤسساتنا البحثية واكاديمياتنا الدراسية التوقف على مفهوم الوحدة في الفكر العربي من حيث هو لازال موشوم ذهنيا وادبيا بالرسم الاداري والجغرافي .. بمعنى انه مع مفهوم مصطلح "الوحدة" يستحضر القارئ دائما او غالبا تصورات مسقطةٌ على الادارة والجغرافيا الموحدة سياسيا .

وهذا غير ممكن ومستحيل وغير حضاري وتعقيدي . ولعل المفهوم البديل وهو المقصود من الوحدة .. وهو مفهوم (وحدة القرار ووحدة المصير) ..

من حيث انه مفهوم قادر على انجاز جيوسياسيا عربية موحدة مركزيا ولو على طبغرافيا مستقلة ماليا واداريا .

كما ان المفهوم الاول يقرأ حتى الآن بمناظير قطعية أكانت قومية او دينية او ايديولوجية براجماتية .

 

وهذا خطأ مُقدر في الـ"تقعيد معرفي" بل ويتعداه الى سلسلة من المسائل في الفكر العربي والاسلامي .. ومنها مسألة ادارة الدولة برمتها.

 

ونحن في الجنوب وبعد الانجاز الذي حققته المقاومة الجنوبية - مسنودة بقوات التحالف العربي - غير معفيين من الاجابة على هكذا اسئلة اهمها سؤال الدولة.. ؟ من حيث ادارتها ..! وان كان الذي في موقع توجيه السؤال اليوم هو المسؤول .. لكن نحن ملزمين او بالاحرى ملتزمين ادبيا واخلاقيا -امام انفسنا على اقل تقدير- بالاجابة على كل الاسئلة.. وهل نحن امام ادارة الدولة بالدين ؟ (مع الثيقراطية) ؟ ام اننا امام فصل الدين عن الدولة ؟ (مع العلمانية) ؟ ام اننا امام ادارة الدين بالدولة..؟! (مع الكهنوتية ) ؟ .. ام ثمة مقاربة اخرى ؟ وذا كانت ثمة مقاربة اخرى ..هل هي قابلة للتداول والتفاوض السياسي والثقافي والاجتماعي.. ؟؟؟

 

وبالعودة الى مثار الموضوع فان من الاسئلة الملزمين تاريخيا وسياسيا وثقافيا واخلاقيا واواوا ..الخ .بالجابة عليها امام الرأي العربي والاسلامي بشقيه الملتزم (المتدين) والغير ملتزم ؛ هو مفهوم (الوحدة) ؟ وهل نحن نتنكر للوحدة العربية ..ونجحد بها .. ؟! خصوصا اذا اخذنا في عين الاعتبار ان الشارع العربي المتفاعل يرى في الوحدة العربية -على الاقل - يرى فيها الحلم المقدس والمنتضر . بل والمفترض ان يكون من زمن بعيد ..؟! وبالتالي بلا اجابات مقنعة لهذا السؤال سيبدو خطابنا سياسيا وثقافيا مهزوز ؛ بل ومحشور في زاوية حرجة .

 

وللاجابة على هذا السؤال وبالتالي الخروج من دائرة الحرج الى الانتظام في نفس مسار ودائرة الهم العربي .. فانه من المفترض والذي ينبغي ان نشتغل عليه فيما يتعلق بمفهوم الوحدة .. هو الترافع ثقافيا وسياسيا وادبيا عن المفوهم نفسه.. ومن واقع تجربتنا الجنوبية في اطار الوحدة اليمنية فنحن في موقع المسؤولية التي يستوجب معها الاشتغال على تحرير المفهوم من التصورات الذهنية السالبة وبالتحديد تحريره من كلاسيكيات الوشم الاداري والسياسي والجغرافي . وبالتالي العمل - وبتحيز معرفي موضوعي - على نقل المفهوم الى فضاء الممكن السياسي والانساني وبالتالي رسم وتجسيم المفهوم التفاوضي التداولي الحضاري المستدام وهذا يعني البحث في (وحدة القرار ووحدة المصير) وملئه وتداوله ؛ كمفهوم بديل لمفهوم الوحدة الادارية والجغرافية . ومن منطلقات وجيهة ومنها ان المفهوم البديل هو مفهوم يتصل بالممكن الحضاري وهو في نفس الوقت انسيابي تداولي تفاوضي. . الخ.

بينما المفهوم القائم في التداول حاليا مكبل وموشوم بالعرفيات وهو في نفس الوقت كلاسيكي تعقيدي تقليدي .

الأكثر قراءة

اتبعنا على فيسبوك

اتبعنا على تويتر