منذ عقود و(طهران) تسعى لتحسين شروطها في المفاوضات الخبيثة الجارية مع واشنطن ودول الغرب اليوم ومستقبلًا حول ملفها النووي، بتوسيع رقعة نفوذها وسيطرتها الجيوسياسية والعسكرية في أقطار متعدِّدة من الوطن العربي؛ بفرض أذرعها الدموية على حساب حياة وكرامة شعوب المنطقة.
وبالنظر إلى العقدين الأخيرين من الألفية الثانية، يُلاحظ دأب إيران في زيادة الإنفاق على تسليحها العسكري باستيراد الأسلحة والصواريخ من كوريا الشمالية، وكذا تمرُّدها على المعاهدات الدولية لحظر التسلح النووي بتطوير برامجها النووية العسكرية، وتشغيل أجهزة الطرد المركزي لمفاعلاتها النووية بزيادة نسبة تخصيب اليورانيوم في عدة مفاعلات نووية أبرزها مفاعل بوشهر النووي.
وبالرغم من العقوبات الدولية المفروضة على إيران، وتوقيعها على اتفاقيات تلزم طهران بتخفيض نسبة تخصيب اليورانيوم؛ إلّا أنها لم تلتزم أيًّا من تلك الاتفاقيات التي وقعت عليها في جولات المفاوضات المختلفة وأبرزها مفاوضات (ڤينا).
وعلى إثر جولات الحروب الإيرانية المتعددة الأقطاب على البلدان العربية؛ وأبرزها حرب اليمن والعراق وسوريا ولبنان، فإنها تسعى لتحقيق مكاسب لأكثر من هدف بضربة واحدة تتضمن (ضمَّ مزيد من العواصم العربية إلى خارطتها الاستعمارية، وفرض سياسة التَّغيير الديموغرافي في كل منطقة تُخضِعها لسيطرتها - وكذا فرض اعتناق تطرفها الديني على الشعوب المطحونة).
وهنا دخلت إيران في لعبة تحالف شرٍّ مباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب بدعم مليشياتها وعصاباتها الطائفية والسلالية لإسقاط العراق عسكريًّا؛ انتقامًا للخسائر الهائلة التي مُنيَت بها على يد الجيش العراقي طوال ثمانية سنوات من الحرب مع العراق في ثمانينات القرن الماضي؛ ليتسنّى لها السيطرة على أولى العواصم العربية وأقواها وضمّها تحت سطوتها ضمن - إمبراطوريتها الفارسية - المزعومة. وكان لها ذلك بعد سنوات من سقوط بغداد واحتلال العراق؛ حينما تسلمت العراق من يد أمريكا والغرب؛ لتنتقم من كل ما هو عربي هناك وكل من لا يَدين لنظام ملاليها بالولاء والطاعة.
وقد فشل النظام الإيراني في فرض مشروعه السُّلالي في دول الخليج العربي، حين اصطفَّت دول الخليج في وجه إيران وتمكَّنت من إنهاء محاولات طهران المستميتة للسيطرة على العاصمة البحرينية (المنامة)؛ في العشرية الأولى من الألفية الثانية للقرن الحالي، بتغذية النظام الإيراني الفوضى في مناطق ومدن مملكة البحرين؛ بذريعة تعرُّض (شيعة البحرين) للقمع، وأنهم أَولى بالحُكم فيها دون غيرهم، كما فعلت في لبنان والعراق، ولكن بفضل قوات الردع الخليجية تمكنت دول الخليج من كبح جماح إيران هناك.
سال لعاب إيران على لبنان، وهي البلد العربي الأكثر سهولة للتوغُّل والسيطرة والإخضاع؛ إذ نال لبنان من سموم إرهاب منظمة (حزب الله)؛ الذِّراع الإيرانية الخبيثة ما ناله، حتى أنهكته وسيطرت على جوانبه كافة!
ثأرٌ قديمٌ لِلفُرس لم ينسوه، وهو ديدنهم، اسمه (سوريا)؛ التُّراب الذي احتضن القائد العظيم: صلاح الدين الأيوبي ـ رحمه الله ـ، وقف الغزاة الإيرانيُّون على قبره منتقمون، لإمبراطورية استعمارية دَكَّ حصونها وقلاعها ذلك القائد الإسلامي العظيم قبل قرونٍ.
حوَّل الإيرانيون سوريا إلى أرض محروقة؛ مارسوا فيها أبشع المجازر التي لم تشهدها سوريا في حروبها الأهلية السابقة، قتل وتدمير وتشريد وتهجير قسري، لم تمارسه إسرائيل بحق الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.
ولم تكن اليمن أحسن حالًا من شقيقاتها، فقد بذلت طهران الغالي والنفيس لجعلها أكبر مقبرة لأهلها الأبرياء؛ فقتلت الإنسان والحيوان، ودمَّرت الحَجَر وأحرقت الشَّجر، وكل ما يرمز إلى الحياة، واختطفت صنعاء أرض آزال واغتصبتها عنوة، بل سامتها سوء العذاب، وجعلتها ومدنًا يمنية أخرى منطلقًا لإرهابها وممارسة القرصنة البحرية في المياه الإقليمية والدولية.
تحرَّرت الجنوب من دنس إيران، وهُزمت إيران وأذنابها وكُسِرت شوكتها على أيدي أبطال الجنوب، بدعم وإسناد من دول التحالف العربي، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وأنهى الجنوبيُّون أطماع إيران ومرّغوا أنفها في التراب؛ فبتحرير الجنوب كاملًا وعاصمته الأبدية (عدن)، غيّر الجنوبيُّون معادلة المعركة العسكرية والسياسية، وقضوا على أحلام إيران المتمثِّلة بضمِّ عاصمة عربية جديدة إلى خارطتها الاستعمارية.
ولم تضع الحرب في اليمن أوزارها بعدُ، واتَّخذت طهران منها جسر عبور لزيادة مكاسبها الخبيثة، لتتحصن خلف ملف إنهاء الحرب في اليمن مقابل كسب نقاط قوة في فرض شروطها حول رفع وتحسين قدرة برنامجها النووي العسكري.
إيران وتنظيماتها الإرهابية التي ترفع شعار (الموت لأمريكا الموت لإسرائيل)، لم تتجرأ يومًا على إطلاق رصاصة واحدة نحو قوات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولو أحصينا عدد المرات التي هدَّدت فيها إيران بمحو إسرائيل من على الخارطة لوجدناها تناهز عدد الضَّحايا المدنيِّين الأبرياء العرب؛ الذين قتلتهم إيران وأذرعها الإرهابية.
ولذا، فإن الحرب الإيرانية على العرب لمّا تنتهِ بعدُ؛ ولا يُراد لها ذلك، وإيران لا تزال تطمع في التهام المزيد من العواصم العربية وتناولها تباعًا بشراهة دموية؛ لتصبح خنجرًا مسمومًا مزروعًا في خاصرة العرب جنوبًا وصولًا إلى غرب جزيرة العرب ووسطها وشمالها؛ لتحسين شروط (طهران) في مفاوضاتها النووية مع دول الغرب، على حساب الدم العربي وديننا الحنيف!