الامين برس / بسام القاضي : ما زالت كثير من صفحات سفر ثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة ضد الاستعمار البريطاني طي الكتمان أو مخزونا في ذاكرة رجالاتها الأبطال الذين فجروها .. وحملوا على عاتقهم مهمة الوصول بها إلى بر الأمان الذي تحققت في الثلاثين من نوفمبر 1967 م بعد أربع سنوات من نضال شاق خاضه شعبنا الجنوبي الأبي التواق الى الحرية .
القائد النقابي والمناضل الثوري الوالد عبدالله مطلق صالح واحداً من أولئك الأبطال الذين كان لهم دوراً بارزاً في رحلة الكفاح المسلح اتصلنا به مراراً والتقيناه لمرات كثيرة من أجل إقناعه كي يفتش ذاكرته ويبحث فيها عن بعض من ملامح تلك الأيام المشرفة في تاريخ الثورة وكانت حصيلة هذا التذكار ما استطعنا أن نحجز له هذا الحيز .
يقول القائد النقابي والمناضل الثوري عبدالله مطلق بان الحديث عن الماضي الذي أوجب قيام الثورة ربما يطول ويتشعب، غير أنني سأكتفي بذكر واقعة ربما تحمل الكثير من معاناة الإنسان اليمني قبل قيام الثورة، وتتمثل بذلك اليوم الذي قررت فيه ترك قريتي في جبل القضاة بحالمين واتجهت إلى مدينة عدن المستعمرة آنذاك .
كان ذلك عام 1954م كنت يومها شاباً في مقتبل العمر، الأمر الذي يسر لي الانتقال مشياً على الأقدام مسافة (150) كيلومتراً من السفر المتواصل مع قافلة من الجمال، ولما وجدت أحد معارف والدي وكان يملك مقهى في الشيخ عثمان دلني وساعدني على الانتقال إلى البريقة (عدن الصغرى) حيث كان يجري العمل في إنشاء شركة النفط البريطانية (بي بي)، تقدمت ضمن (150) شخصاً لوظيفة (عامل عضلي) فجاء المسؤول وقال: على الذين يجيدون القراءة والكتابة أن يخرجوا من الطابور.. فخرجت ومعي شخصان فقط من المجموعة المتقدمة للعمل.. فتم توظيفنا فيما ذهب الباقون وهم يلعنون الاستعمار وما سببه من جهل وأمية مقيتة.
كانت فترة الخمسينيات مليئة بالتحولات والأحداث الساخنة، ومن أهمها قيام ثورة 23 يوليو في مصر وثورة الجزائر.. وكان لهذه الثورات وغيرها صداها في اليمن، وكان لانتشار راديو الترانسيستور دوره البالغ الأهمية في نشر الوعي وإلهاب الحماس الوطني، وكانت عدن المستعمرة حينها أكثر تأثراً وتأثيراً في الأحداث وبها حيث كانت تنتشر الصحف والكتب ووسائل الإعلام الأخرى ومن أهمها الراديو الذي كان له تأثيره البالغ في إلهاب الحماس الوطني وفي إيقاظ الوعي بضرورة وأهمية الثورة والتغيير.
مطلق القائد النقابي
عندما وقع العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م اشتعلت عدن بالمسيرات والمظاهرات العمالية والطلابية المنددة بالعدوان.. وارتفعت الشعارات: “فلتحيا مصر .. عاش جمال عبدالناصر”.
وكان لذلك الحدث وما تلاه من حركة جماهيرية عفوية ومنظمة دوره في تعميق الحس والوعي الوطني التحرري ونفذنا في المصافي اضراباً عمالياَ وحصلنا على موافقة شركة المصافي والمندوب السامي البريطاني بتشكيل نقابة عمال البترول وتم انتخابي عضواً في اللجنة التحضيرية للنقابة ومعي في اللجنة الإخوة :
1 - عبدالله علي عبيد
2 - محمد عبدالله قاضي
3 - محمد حسين أمذروي
4 - عبدالجبار شاهر .... وآخرون .
حركة القومين العرب كانت السباقة لحشد المتطوعين للدفاع عن صنعاء
في أواخر 1958م أعلن عن قيام نقابة عمال البترول، وأذكر في هذه الفترة - أواخر الخمسينيات- كان الوعي الوطني والقومي في نهوض وتنام مستمر.. وكان الكل يعبر عن حرصه على الوحدة اليمنية وتوقه للوحدة العربية الشاملة.. وفي هذه الأثناء وتحديداً عام 1959م تأسست حركة القوميين وأذكر في ذلك الوقت وتحديداً في 1959م أنه التقى بنا الأخ/ علي ناصر محمد والأخ/ علي أحمد السلامي والحريبي وأشعرونا أننا سنكون خلية تابعة للحركة في المصافي وسيكون المسؤول في الخلية هو الأخ/ عبدالقادر سعيد.. وفعلاً جاء الأخ/ عبدالقادر سعيد في اليوم التالي والتقى بنا وحدد لنا مهام التثقيف السياسي، وكان يمدنا بكتب الفكر القومي .
لعبت حركة القوميين العرب دوراً سياسياً وكفاحياً كبيراً تجلى في إشاعة الفكر القومي وتنمية مدارك أعضائها وكل أبناء الشعب اليمني بأهمية الثورة وتحقيق الوحدة اليمنية وصولاً إلى تحقيق الوحدة العربية.
في هذه الأثناء قامت ثورة 26 سبتمبر 1962م الخالدة وحملت الأنباء عن قيام الثورة في اليمن، لكن أهم الأنباء كانت تلمح إلى احتمال سقوط الثورة متخذين من هروب البدر سنداً في التشكيك في نجاح الثورة.
وأمام ما كان يتردد من أنباء عن احتمال القضاء على الثورة تشكلت في عدن لجان لمناصرة الثورة السبتمبرية والدفاع عنها.. فهب الآلاف من الشباب في الجنوب للدفاع عن الثورة في الشمال، فانتقلت الثورة السبتمبرية إلى مرحلة أكثر ضماناً بمشاركة شعب ثائر يعد بالملايين إذ اندفعت مجاميع الشعب اليمني من كل اليمن تحمي الثورة، بل وتهاجم مواقع المعتدين.
ويهمني بالمناسبة أن أذكر للتاريخ أن حركة القوميين العرب في القطر اليمني كانت سباقة إلى حشد الشباب والمتطوعين للدفاع عن الثورة والجمهورية وهي أيضاً في الوقت نفسه كانت قد تبنت في وقت مبكر فكرة الكفاح المسلح وسيلة لطرد الاحتلال وتحرير الجنوب.
"اعلان قيام الجبهة القومية "
بعد قيام ثورة 26 سبتمبر أجرت الحركة حواراً مع التنظيمات السياسية: حركة القوميين العرب ناب عنها علي أحمد السلامي وقحطان محمد الشعبي وفيصل عبداللطيف وآخرون، التنظيم الناصري مثله أبوبكر شفيق، وتنظيم القبائل مثله ناصر السقاف وآخرون، تنظيم الضباط مثله: محمد علي الصماتي وبخيت مليط، التنظيم الثوري لأحرار جنوب اليمن المحتل مثله: محمد صالح مطيع وعبدالله مطلق وسالم صالح محمد وعبدالرب علي مصطفى وفضل محسن عبدالله وآخرون، وجبهة الإصلاح اليافعية مثلها: سالم عبدالله عبدربه ومحمد عبدالرب بن جبر ومحمد ناصر جابر وقاسم الحداد وآخرون.
نتج عن الحوار إعلان قيام الجبهة القومية في أغسطس 1963م.. وبذلك أعلن عن قيام ثورة 14 أكتوبر بقيادة الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل، فبدأت مرحلة جديدة من الكفاح السياسي والعسكري ضد الاحتلال ومن أجل تحقيق الاستقلال الوطني .
ولأن الاستعمار البريطاني كان يدرك أهداف الثورة الأكتوبرية وخطورتها على سياساته الاستعمارية فقد انطلق بشراسة ضد الثوار في جبهة ردفان حيث استخدم كل أسلحته البرية والجوية في ضرب الثورة وتدمير القرى وحرق الأخضر واليابس في محاولة للقضاء على الثورة.