نفس الغنائية المقرفة والمملة، المكررة برتابة وتبلد عجيبين منذ ثلاثة عقود ينخرط قادة المليشيات الجاثمة على العاصمة اليمنية صنعاء وبقية مدن الجمهورية العربية اليمنية في ترديدها، تحت مسمى الدفاع عن “الوحدة اليمنية” التي لا وجود لها، وعدم السماح بــ”تمزيق اليمن” وكأن اليمن ليس ممزقا بفعل افعالهم وحلفائهم، لكن العصابة السلالية تضيف سيلاً من التهديد والوعيد بقصف المواني والمنافذ ومصادر الإيرادات الجنوبية الشحيحة التي يسيطر الفاسدون على نصيب الأسد منها، وتستغل هذه المليشياتً ضعف السلطات (الشرعية) وعجزها عن التصدي لجرائم تلك المليشيات واعتداءاتها على مناطق وموانئ ومنافذ الجنوب.
عندما كانت مليشيات الحوثي تواجه الحملات العسكرية من قبل جيش علي عبد الله صالح وعلي محسن ذوي السمعة السيئة في الجنوب، كان هناك تعاطف جنوبي عفوي مع أبناء صعدة وكان منطلق هذه التعاطف التجربة المرة للجنوبيين مع فيالق 7/7 ولا شيء سواه.
وأتذكر أنه وأثناء لقائنا (اليتيم) مع عبد الملك الحوثي في مطلع أغسطس عام 2007م ضمن اللجنة الرئاسية كان عبد الملك يتحدث بمسكنة وألم ويقول لقد دمرتنا الحرب وأنهكتنا ونريد أن نخرج منها إلى السلام والبناء، وشخصياً وكان معي الزملاء النواب ناصر عرمان وعبد الرزاق الهجري والمرحوم ياسر العواضي، كنت أشعر نحوه بالشفقة والعطف وأعتقد أن الزملاء كانوا يشاركونني نفس الشعور.
لست متأكداً أن حوثيي 2023م يختلفون عن حوثيي 2007م لكن ثقافة التقية ومخادعة الساسة هي من حولت الحوثي من ذلك المسكين الذي تردد طويلا قبل أن يخرج من الكهف لمقابلة اللجنة الرئاسية يومها، يتحول إلى ذلك الكائن المتغول الذي يهدد ويتوعد ويلوح بقصف الموانئ والمطارات الجنوبية ويهدد بالسيطرة على مصادر الثرروة الجنوبية بعد أن كان يحلم بالحصول على سلة تفاح أو حمولة رمان من حقول جنوبي وشرق محافظة صعدة نفسها.
الفهلوة والدجل السياسي وخداع القتلة والصفقات المشبوهة التي مكنت الحوثي في الخروج من الكهف حتى السيطرة على محافظات الجمهورية العربية اليمنية الأربعة عشر فتحت شهيته ودفعته لاقتحام محافظات الجنوب، فاتحدت عصاباته مع عصابات حليفه حينها، عفاش الموجودة منذ 1994م فاستسهل الرجل اللعبة واعتقد أن الجنوب ما يزال كما كان عام 1994م، وفعل ما فعل وأمعن في القتل والتدمير والقصف والعبث، ولن ينسى الجنوبيون ذكرياتهم المريرة معه حينما كانت عصاباته تقتل لمجرد الاستمتاع بالقتل، وهل ينسى أبنا عدن قصف قواته لزورق النازحين من التواهي إلى الحسوة وإغراق كل من كان عليه من النساء والأطفال؟ أم هل ينسون قصف قواته لتجمع النازحين أمام فندق المنصورة ؟ كلا ولن ينسوا تمركز قواته على قمم جبال عدن وقنص كل كائن متحرك في شوارع كريتر وغير كريتر وما صنعت عمليات القنص تلك التي قتلت أطفالاً ونساءً وشيوخاً وشباباً ممن لا علاقة لهم بالحرب والمواجهات.
اليوم يقول الحوثيون وبكل بجاحة أن أبناء الجنوب هم من سينصرهم في “الحفاظ على الوحدة اليمنية”.
لكننا نقول لهم إن الجنوبيين ليسوا بلا ذاكرة يا هؤلاءِ، وسمعتكم في الجنوب بعد جرائمكم المشهودة أسوأ من السيئة، وعمليات القتل الجماعي التي ارتكبتموها بحق الجنوبيين لن تنمحي بسهولة من ذاكرتهم، وكل بصماتكم القبيحة لن ينساها الجنوبيون جيلاً بعد جيل، فلا تصدقوا أنفسكم بأن جنوبياً واحداً سينتصر لخرافاتكم وهمجياتكم المستوردة من الأزمنة الجاهلية.
ثم نسألكم وأنتم تفكرون بتكرار إعادة غزو الجنوب، لقد دخلتم عدن والجنوب ضيوفاً على المدعوين مهدي مقولة وعبد الحافظ السقاف وإمعاتهم من الجنوبيين من بقية جماعة الرئيس السابق ولم تأتو غزاة، واستلمتم منهم المعسكرات ومخازن الأسلحة وكل أدوات ولوازم الحرب بما في ذلك آلاف الجنود والضباط ومنهم الباعة المتجولين ومئات المتسولين ومع ذلك خرجتم مهزومين على أيدي عشرات الشباب المتطوعين.
شخصياٍ لا أكره شيئًا مثل كرهي لمشاهد القتل وسقوط الجثث وتطاير الأشلاء، لكن للأسف الشديد جماعة الحوثي ومن يتحالف معها لا يأبهون للدماء التي تسيل والجثث التي تسقط والأشلاء التي تتطاير والأرواح التي تزهق وأعني هنا جثث وأشلاء جنودهم وأنصارهم، لكنني أُذكّر أن آلاف الجثث من قتلاهم بقيت مرميةٍ على قارعة الطرقات وفي البراري والصحاري لعدة أشهر حتى تم دفنها باستخدام الجرافات والشيولات لكثرتها، وبعد أن ملأت الأجواء تعفنا وتلوثاً، ومن هنا فإن من حق أهالي أنصارهم ومن حقنا أن نسألهم: هل لديكم الاستعداد لتحمل النتائج المشابهة لنتائج مجازركم في 2015م، في ظل الاستعداد والجاهزية العاليين الذين تتمتع بهما القوات الجنوبية ومعها السواد الأعظم من الشعب الجنوبي.
ما يزال الحوثيون ومعهم بعض المتخفيين بستار الشرعية مصممين على تكرار غزو الجنوب لفرض “وحدتهم” بالقوة على الشعب الجنوبي الذي يتقزز لمجرد ذكر هذه الــ”وحدة”، لكننا نقول لهم أن الشعب الجنوبي اليوم لم يعد كما كان لا عام 1994م ولا حتى عام 2015م بعد أن تعلم أن الهنجمة والتحشيد الكلامي والادعاءات الباطلة لا تصنع نصراً، وأن النصر تصنعه الإرادات الحرة والتمسك بالحق الذي لا يهزمه باطل حتى لو حشد أنصار هذا الباطل كل جيوش الدنيا، فتذكروا 2015م كُلَّما فكرتم بالعودة إلى الجنوب.
همسة أخيرة
ــــــــــــــــــــ
يكرر كثير من السياسيين ومنهم ساسة جنوبيون إن العيب في ما جرى للجنوب من تجريف وهدم وسحق ولأهله من ظلم وقمع وتنكيل ولأرضه وثرواته من سلب ونهب واستحواذ، ليس في الــ”وحدة”، بل في النظام الذي أدار الــ”وحدة”، ورغم خطل هذه المقولة من أصلها لكننا نقول لهم، وكيف ستضمنون أن من سيدير الــ”وحدة” الجديدة التي تدعوننا إليها لن يكون مثل سابقيه إن لم يكن أسوأ منهم؟ وعلى كل حال ستكون لنا وقفة مخصصة مع هذه الجزئية في تناولة لاحقة.