الأمين برس

2025-02-11 00:00:00

بيروقراطية الدولة: من صعوبة الدخول إلى صعوبة العيش

كتابات
2025-02-10 21:11:29

يقول المفكر جيمس وولفنسون: “الفساد هو أسوأ أعداء التنمية، والإدارة الفاشلة هي حليفه الأول”. إذا أردت أن تكتشف إذا كانت الدولة فعلاً ناجحة أو لا، فما عليك سوى أن تذهب إلى مطارها. لا تحتاج إلى تقارير معقدة أو مؤشرات اقتصادية؛ المطار هو مقياس حقيقي لنجاح الدولة. إذا مررت بتجربة سلسة وسريعة، وفهمت كيف تُدار الأمور بكفاءة، فاعلم أن الدولة تدير باقي مؤسساتها بنفس الطريقة. أما إذا قضيت وقتاً أطول في طابور المطار أكثر مما قضيت في رحلتك نفسها، أو كنت مضطراً لدفع “بقشيش” لتسريع المعاملة، فاعلم أنك في دولة تعاني من مشكلات إدارية أعمق من مجرد فشل في المطار. لكن ما يصعب تصديقه أن هذا الفشل في إدارة المطارات لا يتوقف عنده؛ فهو مجرد نقطة البداية لمشاكل أوسع في إدارة أبسط الخدمات التي يجب أن تكون في متناول الجميع. الماء والكهرباء، اللذان يعدان من مقومات الحياة الحديثة، يتحولان في بعض الدول إلى “امتيازات” وليست حقوقاً أساسية. تخيل أن الماء يزور منزلك كما لو كان حدثاً سنوياً، والكهرباء، بدلاً من أن تكون مصدر راحة، تصبح كما لو أنها زيارة مفاجئة من ضيف ثقيل يزورك فقط عندما لا تحتاج إليه. وإذا كانت المطارات والخدمات العامة تكشف حال الإدارة، فإن المؤسسات الحكومية تفضحها تماماً. فكلما حاولت إنجاز معاملة بسيطة، تجد نفسك في متاهة توقيعات، أوراق، لجان، وموافقات لا تنتهي. الموظف المسؤول يحتاج إلى توقيع رئيسه، والرئيس يحتاج إلى اجتماع، والاجتماع يحتاج إلى لجنة، واللجنة تنتظر موافقة الوزارة، والوزارة تدرس الموضوع لعدة أشهر قبل أن تعيده لنقطة البداية! وهكذا، تتحول الإجراءات إلى متاهة رسمية، والإنجاز إلى معجزة إدارية. أما إدارة المال العام، فهي قصة أخرى من العبث الإداري. في بعض الدول، يتم إنفاق الملايين على مشاريع لا يعرف أحد فائدتها. بدلاً من تحسين الخدمات، يتم شراء شاشات عرض عملاقة لعرض جملة “نحن هنا لخدمتكم”، بينما لا يوجد أحد للخدمة فعلاً. أما التقارير السنوية، فهي تُطبع بأفخم الأوراق، مع رسوم بيانية أنيقة لا يقرأها أحد، وتُنشر تطبيقات حكومية جديدة لا تعمل على أي هاتف معروف للبشرية! وفي المؤسسات التي يُفترض أن تخدم المتعاملين، يتم تدريب الموظفين على تقنيات متقدمة في “فن التعطيل”. العبارات السحرية مثل “تعال بكرة”، “الملف ناقص”، “السيستم عطلان”، و”الموظف المختص في إجازة” تُقال ببراعة تجعلك تشك أن هناك قسماً سرياً لتعليم هذه المهارات! المتعامل المسكين يدخل الدائرة الحكومية ممتلئاً بالأمل، ويخرج منها وقد تعلم درساً جديداً في الصبر وضبط النفس. لكن لحظة! ماذا عن الحلول؟ الأمر ليس معقداً كما يبدو. هناك دول نجحت في تجاوز البيروقراطية وتعزيز الكفاءة، مثل سنغافورة، إستونيا، وكوريا الجنوبية، والإمارات حيث الإدارة تعتمد على التخطيط الفعلي وليس على الاجتماعات التي تُناقش كيف تُدار الاجتماعات القادمة. التجربة أثبتت أن النجاح الإداري ليس معجزة، بل مجرد التزام بتطبيق ما هو منطقي، لكن في بعض الدول، يبدو أن “المنطق” مفهوم غريب لم يُكتشف بعد. المشكلة ليست في نقص الموارد، بل في غياب القرار الحاسم. النجاح لا يحتاج إلى معجزة أو عبقرية نادرة، بل إلى إرادة لتنفيذ ما هو منطقي بدلاً من إضاعة السنوات في تشكيل لجان تناقش “أفضل طريقة لمناقشة الحلول”. بعض الدول تعيد اختراع العجلة في كل مرة، لكنها تنسى أن تجعلها تدور! بينما الدول الناجحة لم تضِع وقتها في الوعود والخطط غير القابلة للتنفيذ، بل بدأت مباشرة بالتطبيق. إذا كنا نريد التغيير، فعلينا أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون، لا أن نظل نبحث عن نقطة البداية كما لو أنها كنز مفقود. في الختام، الدول التي تفشل في تشغيل مطاراتها دون أن تتحول إلى اختبار لصبر المسافرين، أو في توفير الكهرباء والماء دون أن يشعر المواطن أنه يعيش في العصور الوسطى، من الطبيعي أن تفشل في كل شيء آخر. وعندما يصبح الدخول إلى الدولة أشبه بعبور متاهة مليئة بالفخاخ البيروقراطية، والخروج منها إنجازاً يحتفل به كأنه انتصار في معركة، فاعلم أنك في المكان الخطأ… حيث الفشل ليس مجرد خطأ عابر، بل خطة مدروسة بعناية! الدكتور /محمد العوساني

https://alameenpress.info/news/49641
You for Information technology