شكلت الضربة الإسرائيلية التي استهدفت قيادات بارزة في صنعاء، وأسفرت عن مقتل رئيس وزراء الحوثيين وعدد من أعضاء حكومته، منعطفاً لافتاً في مسار الأزمة اليمنية. فإلى جانب أثرها العسكري المباشر، حملت العملية أبعاداً سياسية وإقليمية ودولية مهمة، عكست هشاشة البنية الأمنية والسياسية لدى الحوثيين، وكشفت في الوقت ذاته عن حجم التداخل الخارجي في المشهد اليمني. إن فقدان الحوثيين لقيادات رفيعة المستوى من شأنه أن يضعف موقفهم في أي تسوية سياسية مقبلة، ويدفعهم إلى التفكير في خيارات قد تزيد المشهد تعقيداً، سواء بمحاولات التصعيد تجاه الجنوب أو عبر استهداف المصالح الإقليمية والدولية. ومع ذلك، فإن قدرتهم على المناورة تبقى مقيدة بميزان قوى جديد لا يمنحهم هامش الحركة الذي اعتادوا عليه، ويضعهم أمام واقع سياسي وأمني أكثر تعقيداً من ذي قبل. كما أن التطورات الأخيرة تفرض على الحوثيين إعادة ترتيب مراكز القوى داخلياً، والانخراط – بشكل أو بآخر – في مسار تفاوضي يتأثر إلى حد كبير بضغط القوى الإقليمية والدولية. فالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ينظران إلى تراجع نفوذهم باعتباره فرصة لفتح مسارات جديدة للسلام وحماية المصالح الحيوية، في حين تتابع دول الخليج هذه المتغيرات بوصفها مدخلاً لإعادة رسم التوازنات، وتعزيز مكانة الجنوب كطرف محوري في أي ترتيبات مقبلة، خصوصاً في ما يتعلق بأمن البحر الأحمر وباب المندب باعتبارهما ممرين استراتيجيين للتجارة والطاقة العالمية. أما على الصعيد الجنوبي، فإن اللحظة الراهنة تضع أمامه استحقاقات دقيقة تتجاوز البعد العسكري إلى ملفات السياسة والاقتصاد والتنمية. فالتحسن الأخير في سعر الصرف بالمناطق المحررة، على أهميته، يبقى مؤشراً هشاً ما لم يعزز بإصلاحات مؤسسية جادة تعيد الثقة بالعملة الوطنية، وتضع أسساً متينة لإدارة الموارد بعيداً عن الفساد والعبث. إن بناء اقتصاد أكثر استقراراً لم يعد مطلباً داخلياً فحسب، بل أصبح عنصراً أساسياً في تعزيز موقع الجنوب وتمكينه من الحضور الفاعل في الإقليم والمحافل الدولية. وتبرز هنا أهمية إدارة اللحظة الراهنة بما يحول التحديات إلى فرص استراتيجية. فالجنوب مطالب بتكريس حضوره السياسي كفاعل لا غنى عنه في أي تسوية شاملة، وبالمضي قدماً في الإصلاح الاقتصادي بما يعيد الثقة بالمؤسسات، مع ترسيخ الاستقرار الأمني وحماية الجبهات من محاولات الاختراق أو الإرباك. ويوازي ذلك حضور دبلوماسي وإعلامي متزن يبرز حقيقة أن استقرار الجنوب يمثل ركيزة محورية للأمن الإقليمي والدولي، ولا سيما في ما يتصل بأمن الملاحة والتجارة العالمية عبر البحر الأحمر وباب المندب. إن ما يعيشه الجنوب اليوم ليس مجرد انعكاس ظرفي للتحولات الإقليمية، بل هو اختبار حقيقي لمدى قدرته على توظيف هذه اللحظة التاريخية لترسيخ موقعه الاستراتيجي وصياغة مستقبله السياسي والاقتصادي. فإما أن تتحول هذه المرحلة إلى رافعة تعزز موقع الجنوب كعنصر توازن أساسي في معادلات الأمن والسياسة، أو أن تترك الساحة لتسويات خارجية قد لا تنصف تطلعات شعبه. ومن هنا، تبدو الحكمة والحنكة السياسية في إدارة هذه المرحلة عاملاً حاسماً في تحويل التحديات إلى مكتسبات، والمكتسبات إلى ضمانات ترسخ حضور الجنوب كضامن للاستقرار الإقليمي والدولي.