أجرت صحيفة «إل مانيفستو» الإيطالية حوارًا مع المفكر والفيلسوف الشهير «نعوم تشومسكي» ناقشت خلاله أفكاره حول الفوضى والبربرية والدمار التي تعم العالم. حيث صرح «تشومسكي» بأن الجنس البشري يواجه تحديًا غير مسبوق في تاريخ البشرية. وأن العالم يقف على مفترق طرق لم نشهده من قبل، وعلينا أن نقرر ما إذا كنا نرغب في إنقاذ البشرية ونحافظ عليها كما عرفناها، أم أننا سنخلق دمارًا شديدًا لا يمكن تصوره.
وقد سألت الصحيفة «تشومسكي» عن رأيه في قرار المحكمة العليا الأميركية الذي قضى بوقف محاولات الرئيس «أوباما» الحد من الآثار المدمرة للاحتباس الحراري، حيث أجاب «تشومسكي» بالقول إن القرار هام للغاية ويعتبر سابقة خطيرة. فقد كان قضاة المحكمة الخمس على دراية بالقيمة السياسية للحكم، بل إن البيان الصحفي الذي صدر في أعقاب الحكم ينص صراحة على أن الحكم غير مسبوق في التاريخ الأميركي.
وعند سؤاله عما إذا كان هذا القرار سياسيًا قد تخطى السلطات الممنوحة للمحكمة وفقًا للدستور، قال «تشومسكي» إن هذا مؤكد، فأعضاء المحكمة الخمسة كلهم جمهوريون، وأن موت القاضي «سكاليا» لن يغير من الأمر شيئًا. كانت رسالتهم للمشاركين في مؤتمر باريس هي «اذهبوا إلى الجحيم». ووفق «تشومسكي»، فسوف يؤدي تصويت الأغلبية الجمهورية إلى إفساد أي تحرك قانوني في المستقبل في محكمة الاستئناف.
وانتقد «تشومسكي» مؤتمر باريس قائلا إنه لم يحقق أي شيء ملموس للحد من الاحتباس الحراري، ووجه أن علينا أن نتذكر أن المشكلة الأكبر هي إتمام الاتفاق بين الحكومة ومنحه صفة الإلزام في صورة معاهدة دولية.
وأضاف «تشومسكي» أن فرنسا تدرك تمام الإدراك أن أعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الجمهوري لن يوافقوا أبدًا على معاهدة ملزمة للحكومة. وعليه، فقد أظهر قضاة المحكمة الخمسة بشكل صريح ما يعتقدونه بشأن التقدم السريع نحو دمار الكوكب وفناء الجنس البشري.
وقد سألت الصحيفة عن مدى استعداد القضاة تجاهل العواقب الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة لقرارهم، حيث رد المفكر الأمريكي بالقول إن قادة الحزب الجمهوري يدركون عواقب هجرة السكان من نصف الكرة الشرقي إلى الغربي بمعدل غير مسبوق في التاريخ. كما أنهم يدركون عاقبة أي دمار لذلك الجزء من العالم والخطر الذي ينطوي عليه ذلك، إلا أن كل مرشح يخوض السباق نحو البيت الأبيض ينكر أي دليل على الآثار السلبية للاحتباس الحراري ولا يعتزمون اتخاذ أي خطوات لإصلاح ذلك. ويضيف «تشومسكي» أن الحزب الجمهوري اليوم هو أحد أخطر المنظمات في تاريخ البشرية.
وعند سؤاله عن سبب قلقه من اليمين المتطرف في أميركا أكثر من الأيديولوجيا اليمينية التي تنتشر في أوروبا. قال إن «تمدد اليمين المتطرف في أوروبا سريع، لكنه لا يحظى بالدعم اللازم للإسراع من تدمير الحياة على الكوكب».
وفي معرض رده على سؤال الصحيفة حول ميزانية وزارة الدفاع الأميركية عن العام 2016-2017 التي أقرت الأسبوع الماضي دون مناقشتها في الكونغرس، حيث زاد الإنفاق على ترسانات الناتو أربعة أضعاف، وذلك تحت حجة حماية الحلفاء في أوروبا الشرقية، فقد قال «تشومسكي» إن مخاطر التصادمات والتوترات الاستراتيجية تتصاعد بين الدول التي تنتمي إلى المعسكر الروسي والمعسكر الأميركي. ولكنه عقب متسائلًا «هل تسمح الولايات المتحدة أن يحدث عند حدودها ما يحدث عند الحدود الروسية؟ ألن يكون ضربًا من الجنون نشر صواريخ تابعة للناتو على الحدود مع كندا والمكسيك؟» وأجاب على نفسه بالقول: «يبدو أننا سنحترق جميعًا».
وأضاف «تشومسكي» أنه يعتقد أن توسع الناتو يشكل استراتيجية استفزازية خطيرة. وقد اتفق مع ما قاله «جورج كينان» خلال الحرب الباردة من أن الرادع النووي سيضع الأساس لمواجهة أخيرة ستقضي على الجنس البشري.
ويؤكد تشومسكي إن هذه ليس مبالغة، فالتوترات المستمرة والأمثلة الحالية، كإسقاط الطائرة الروسية فوق تركيا، هي إحداث قد تنفجر وتتحول إلى مواجهة نووية.
حينها سألته الصحيفة عما إذا كان هذا يعني المزيد من الحروب التي تنطوي على خطر إشعال حرب عالمية ثالثة، حيث رد بالقول إنها لن تكون المرة الأولى التي نكون فيها على شفا حرب نووية، وهو ما يعني فناء الجنس البشري. مؤكدا أن صدامًا بين قوتين عظميين يشتمل على ما يسمى بـ«الشتاء النووي». وهي مأساة ذات أبعاد كارثية. وهذا يشبه ما قاله أينشتاين عندما سئل ما هي الأسلحة، بعد الأسلحة النووية، التي سوف تستخدم في الحرب. فأجاب أن السلاح الوحيد المتاح للإنسان حينها هو «الفأس الحجري».
وعند سؤاله حول ما إذا كان يعتقد أن قادة العالم لديهم استراتيجية أو حاولوا خلق كارثة محدودة ولكن خرج الأمر عن السيطرة، فقد قال إن الأعمى فقط هو من لا يدرك الضرر الذي سببوه. فالعاملون في صناعات الوقود الأحفوري يعرفون منذ عقود الآثار المدمرة للسياسة الصناعية القائمة على النفط. فمديرو شركة «إكسون موبيل» ليسوا أغبياء، ولكنهم مخلصون لأيديولوجية معينة تهدف إلى تعظيم الأرباح ورفع أسعار الأسهم. وكل ما دون ذلك هو ذو قيمة ضئيلة.
واختتمت الصحيفة حوارها مع المفكر الأمريكي الشهير بالسؤال عن المخاطر التي تنتظر الولايات المتحدة والعالم في العام 2016، وهو عام انتخاب الرئيس المقبل للولايات المتحدة. فقال إن المخاطر كبيرة للغاية. وقد أكد أنه إذا كانت تصريحات قادة الحزب الجمهوري المتنافسون على الرئاسة تتوافق مع واقع البيت الأبيض في المستقبل، فينبغي علينا أن نتوقع كارثة حقيقية، التي هي تجاهل ظاهرة الاحتباس الحراري، وإلغاء الاتفاقية النووية مع إيران، وزيادة سطوة جيشنا، والجنوح نحو التصرف بعدوانية وشاسة أكبر تجاه بقية العالم على الرغم من مخاطر إطلاق العنان لحرب عالمية. ويختتم بالقول إنه «إذا ما قامت دولة بمثل قوة الولايات المتحدة بفرض هذه السياسات الاستراتيجية، ستتضاءل فرص بقاء الجنس البشري على قيد الحياة».