أثار تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن، جدلا واسعا داخليا وخارجيا، بعد خروج مئات الآلاف إلى ساحات العاصمة عدن لتفويض المجلس وقيادته، لحمل الملف السياسي لقضيتهم الجنوبية، أملا في الوصول لإعلان دولة "الجنوب العربي".
بعد مرور أكثر من عام على تأسيس الانتقالي وقواعده الشعبية وفروعه وهيئات مكاتبه، ما الذي حققه المجلس للجنوبيين ووضعه القانوني وتمويله وعلاقته بحكومة الرئيس هادي والمكونات المنضوية تحته، تلك الأسئلة وغيرها طرحتها "سبوتنيك" على اللواء عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي في المقابلة التالية…
حاوره: أحمد عبد الوهاب
بصورة مفاجئة أعلنتم قيام المجلس الانتقالي في 11 مايو/ أيار من العام الماضي، بعد ترككم لمنصب محافظ عدن، بعد مرور أكثر من عام هل ترون أن توقيت الإعلان كان مناسبا؟
— قبل الإجابة على سؤالك أود القول بأن فكرة تشكيل قيادة سياسية جنوبية أو كيان جنوبي جاءت قبل تركنا لمنصب محافظ العاصمة، وقد أعلنا ذلك في أكتوبر (تشرين الأول) 2016، وعملنا على هذا الأمر منذ ذلك الوقت من أجل الحفاظ على منجزاتنا الوطنية على الأرض، العسكرية منها والسياسية.
أما الإعلان عن تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي فهو قرار سياسي، ختمنا به جهودنا في إطار إيجاد قيادة سياسية تمثل الجنوب وقضيته العادلة، ولا شك أنها تأخرت كثيرا لأسباب ذاتية وموضوعية، لكن المتغيرات السريعة في مسار نضال شعبنا من أجل استعادة السيادة على أرضه اقتضت أن يتم الإعلان، الذي كانت التحضيرات مستمرة بشأنه من قبل لجان فنية وسياسية كان عملها استكمالا لما تم قطعه من شوط كبير في هذا الاتجاه، لهذا كان التشكيل في الوقت المناسب كما نرى.
في 21 مايو/ أيار من العام الماضي2017، وفي كلمة متلفزة تم بثها للجماهير في ساحة العروض بخور مكسر عاهدتم الحضور بأن تستعيدوا الدولة الجنوبية بحدود ما قبل العام 1990، ماهى الخطوات التي اتخذتموها على الأرض حتى الآن؟
— نحن نتحدث هنا تحديدا عن الهدف، عن الالتزام بالعمل على تحقيق الهدف، الذي فوضنا الناس من أجله وأيد الشعب المجلس الانتقالي الجنوبي من أجله، لذلك فإن هدفنا يتمثل في الدولة الجنوبية كاملة السيادة بنظامها الفيدرالي التعددي، وهو هدف شعبنا نحو نحو مستقبل آمن، وما زلنا وسنظل على هذا العهد، متمسكين بقناعاتنا وبحقوقنا وثوابتنا الوطنية حتى تحقيق هذا الهدف.
وقلت سابقا واليوم أكرر أن المجلس الانتقالي الجنوبي جاء في مرحلة معقدة، جاء ونحن نواجه أطراف مختلفة فيما بينها متحدة في أهدافها ونواياها تجاه الجنوب، ومع أن الحرب مُورست على المجلس بكل أنواعها، إلا أنه استطاع إيصال الصوت الجنوبي إلى كل مكان، وأصبحت كثير من الأطراف الدولية تعي ضرورة احترام الإرادة السياسية الجنوبية، كشرط أساس من شروط الحل.
صحيح أن المجلس مر بمرحلة تأسيسية، لكنه نجح في بناء مؤسساته وإكمال بناء هيئاته وهياكله التنظيمية، ولا شك أنكم تابعتم انعقاد الدورة الأولى للجمعية الوطنية، وما سبقه من إعلان لمجالس المحافظات والمديريات والدوائر والهيئات المختلفة، والمجلس اليوم أصبح يعمل من عواصم مختلفة وعلى تواصل وثيق مع الجهات الفاعلة في الخارج الحكومية وغير الرسمية.
ولا شك أن تشكيل المجلس بحد ذاته يعد الإنجاز الأكبر فهو خطوة كبرى على الأرض مثلت حدا فاصلا بين مرحلتين، وقد أثبتت الأحداث أن وجود المجلس وما قام به من إجراءات تنظيمية وضعت أسسا باتجاه بلورة القاعدة الدستورية للدولة القادمة من خلال الجمعية الوطنية، فضلا عن النشاط السياسي الداخلي والخارجي مع الجهات ذات العلاقة بتحريك ملف الأزمة، التي تعد قضية شعبنا في جوهر حلها بما ينسجم مع إرادة الاستقلال التي قضى في سبيلها آلاف الشهداء في مرحلتي النضال السلمي ثم مرحلة المقاومة والتحرير.
ما هو تقييمكم للرضا الشعبي عن المجلس، بعد مرور تلك الفترة على تأسيسه؟
— أولا، الشعب هو المكسب الكبير والسند الحقيقي، الذي نعمل على تلبية طموحاته وتطلعاته، نفاخر بهذا الشعب العظيم وإرادته، ونحن من الشعب وإلى الشعب. ولا شك أيضا أن التقييم ضرورة، ونحن بحاجة إلى تقييم عملنا دائما وبشكل مستمر. وبشكل طبيعي فإن الأخطاء واردة، لكننا نملك قرار لتصحيحها وتقويم أي اعوجاج، ونملك مع شعبنا علاقة قوية واتصال وثيق.
ثانيا، يدرك شعبنا تعقيدات اللحظة وتداخلاتها وعيا جيدا رغم الحملات الإعلامية المعادية، التي تستهدف تفكيك الموقف الجنوبي وتشتيته خدمة لمشاريع إعادة إنتاج وحدة الخراب بصيغة اتحادية مخاتلة. ولذلك فالمجلس من الشعب وإلى الشعب تمتد جذوره، ولديه مستوى عال من الوعي بأهمية وجود مجلس سياسي جنوبي واضح الهدف والرؤية، ولذا نعتقد أن هناك رضا شعبيا واسعا ونشارك شعبنا الرأي رغم أن المبتغى أكبر من الممكن في هذه اللحظة، ولكن البلد ما زال في حالة حرب وهناك جبهة واسعة ونحن شركاء فيها على الأرض وفي الميدان مع الأشقاء في دول التحالف العربي، لمواجهة كل ما يهدد الأمن الوطني والإقليمي في المنطقة، وسجل الجنوب مشرق في كل المراحل والمنعطفات، والنصر حليفنا بإذن الله.
بدا ظاهرا للعيان أن الخلافات السياسية والتفكك الداخلي بدأت تدب في أوصال المجلس، وبدأت بعض الحركات السياسية تعلن أنها غير تابعة للمجلس… ما رأيكم؟
— لا توجد هناك خلافات ولا تفكك كما أشرتم. أما إذا كان المقصود هنا هو الاختلاف بوجهات النظر أو الرأي فهذا عامل إيجابي مطلوب وطبيعي وله قيمته في الفعل السياسي الجنوبي في هذه المرحلة والمرحلة القادمة، لكننا أخذنا على أنفسنا في المجلس أن نعمل بعقلية مفتوحة وروح تضامنية، بما يخدم هدفنا الاستراتيجي ولا بأس من الهامش التكتيكي سواء من طرفنا أو من أي سياسي جنوبي لا يحيد عن وحدة الهدف، الذي يسعى إليه شعبنا والمتمثل في استعادة شعب الجنوب لسيادته ونيل استقلاله وبناء دولته.
يعيش الجنوب مرحلة تاريخية من حيث عدد القوى المتصارعة أو غير المتوافقة داخليا، بجانب الحرب الدائرة… ما موقع المجلس بين تلك القوى؟
- في الجنوب نحن لا نتحدث عن قوى متصارعة نحن نتحدث عن مشاريع متصارعة، وهناك مشروعان سياسيان في الجنوب أولهما مشروع استقلال الجنوب وسيادته كدولة، وهو المشروع الشعبي الواسع، الذي يقوده المجلس الانتقالي الجنوبي، والمشروع الآخر هو مشروع إعادة فرض الوحدة تحت صيغة اليمن الاتحادي، وهو مشروع أطرافه عديدة وجذوره في صنعاء وله بعض الأفرع في الجنوب، وهي من تحاول التشويش على الوضع في الجنوب من خلال أطراف في الشرعية اليمنية من الجنوبيين وغيرهم وهم يلتقون ويتفقون في مشروعهم بالمحصلة الأخيرة مع الحوثي، الذي يدعون محاربتهم له فيما هم لا يحاربون سوى الجنوب ومشروع استعادة سيادته واستقلاله.
تصفون الحوثيين بالانقلابيين والإرهابيين ومع ذلك يتفاوض معهم العالم، أما المجلس الانتقالي "الداعم للشرعية"، والذي ضحى بالكثير يتم تجاهله دوليا وربما إقليميا… ما مدى صحة هذا القول؟
— لا تنسى أن العالم في الوقت الذي يدعوهم إلى الاستجابة لصوت السلام، يبارك الحرب عليهم، لأنهم فعلا انقلابيين وإرهابيين، انقلابيين حينما انقلبوا على الجميع دون سبب، وإرهابيين حين أتوا من الشمال إلى قرانا ومدننا ليقتلونا بدون سبب.
ولأننا نهدف إلى بناء دولة وإنسان، فنحن نؤمن بأن وجودنا على الأرض وثباتنا على الموقف هو الذي سيوصلنا إلى الهدف. من السهل أن تكون انقلابيا أو إرهابيا كي يتقي العالم شرك بما تسميه التفاوض، ولكن من الصعب أن تكون ثائرا وطنيا يتطلع إلى استعادة الحياة والبناء والتنمية والاستقرار والعلاقات المتكافئة المبنية على المصالح المشتركة مع محيطك الإقليمي والدولي.
يظهر الدور الإماراتي واضحا في كل تحركات المجلس… ما دفع البعض إلى وصف المجلس بأنه ذراع الإمارات على أرض اليمن… ودعم ذلك تواجدكم الدائم بالإمارات؟
— الدور الإماراتي يعد دورا محوريا في معركة تحرير الجنوب من آفة الحوثيين ضمن جهود التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، قاتلنا نحن والاماراتيين في هذه الحرب سويا واختلطت دمائنا فيها. ونحن دائما ما نكرر أننا حلفاء، ويجمعنا تحقيق الأهداف الاستراتيجية لعاصفة الحزم وحماية أمن المنطقة وحفظها وبناء مستقبلها.
هذا الأمر لا يروق لكثير من الأطراف، لذلك لم تجد هذه الأطراف أي وسيلة تحارب من خلالها هذا التحالف والتفاهم إلا هذه التراهات، وهنا نؤكد أن المجلس ليس ذراعا لأي طرف إقليمي ولن يكون، نحن نملك قضية وطنية بدأت قبل مجيء التحالف ستستمر حتى تحقيق أهدافها المشروعة.
نعتز بعلاقتنا بالإمارات والتحالف العربي، وهي علاقة مكنت شعبنا من إعادة بناء مؤسساته العسكرية والأمنية، التي لولاها لكان التحرير في مهب ريح أي مغامرة من القوى المتربصة بالجنوب وشعبه، ونأمل أن تتعمق علاقتنا بالأشقاء في دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية ودول الخليج والتحالف العربي، بما يؤمن مستقبل العيش المشترك والتنمية والاستقرار ومكافحة الإرهاب أياً كان مصدره.
قالت منظمة العفو الدولية في تقرير جديد صدر الخميس 12 يوليو الجاري، إن العدالة لا تزال بعيدة المنال بعد الكشف سابقا عن شبكة من السجون السرية في جنوب اليمن. ويوثق التقرير الانتهاكات الصارخة التي ترتكب بشكل ممنهج بلا محاسبة، بما في ذلك ممارسات الاختفاء القسري والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة التي تصل إلى مصاف جرائم الحرب… ما هي الإجراءات والخطوات التي تمكن المجلس من التحقق من تلك الأمور؟
— أعتقد أن هناك لجان دولية نزلت وراقبت الوضع، ورفعت تقارير مجردة من الاستغلال السياسي لأي معلومات، وهناك تصريحات للتحالف ونائب وزير الداخلية تنفي مثل هذه المعلومات.
وبلا شك أنه في زمن الحروب قد تنتهك كثير من الحقوق المدنية في العالم، وفي حال الوضع القائم في أتون معركة متداخلة الأطراف نسعى في المجلس إلى ضمان تلك الحقوق بكل ما استطعنا، ولكن تداخل السلطات وممارسات حكومة الفساد وأذرعها المختلفة، التي تحاول إفراغ تحرير الجنوب من مضمونه من العوامل المؤدية إلى معظم الأخطاء أن حصلت، وهي تستهدف النيل من الجنوب وتشويه ملفه الحقوقي والإنساني عبر منظمات وأفراد ينتمون إلى أحزاب وهيئات محلية وخارجية غير موضوعية وتوظيف ذلك سياسيا لسبب أو لآخر، وليس كل ما يقال صحيح في تلك التقارير، فكما نعلم ان هناك أطراف خارجية تسعى للنيل من التحالف العربي والإساءة إلى دوره الإنساني والعسكري إعلاميا وسياسيا وحقوقيا.
في كل خطاباتكم تتحدثون عن دعمكم للشرعية وخلافكم مع اللواء علي محسن والحكومة، وتقولون أن ألوية العمالقة والمقاومة تابعان للشرعية… المجلس الانتقالي مع من ولصالح من يعمل؟
— الحكومة فاسدة وما يحصل في عدن من حرمان وتعذيب متعمد وممنهج للناس يعد جريمة وصورة واضحة وفاضحة لهذه الحكومة. وخلافنا سيكون مع كل من يقف ضد الجنوب وشعب الجنوب وإرادته وطموحاته.
المجلس الانتقالي مع شعب الجنوب وحقه في استعادة سيادته واستقلاله على ترابه الوطني، ولكن ذلك لا يمنع أي تحالف تكتيكي مع أي طرف غير معاد بشرط ألا يؤدي إلى الإضرار بالقضية أو حرفها عن مسارها الطبيعي. لذلك نحن مع شعبنا ونعمل لما من شأنه مصلحة هذا الشعب الأبي وحقه في بناء مستقبله الآمن بعيداً عن صناعة الأزمات أو ترحيلها.
لماذا فشلتم في استقطاب الشخصيات التاريخية وضمها للمجلس؟
لم نفشل، وهدفنا ليس الاستقطاب بقدر ما يكون التواصل والتفاهم مع الجميع. نحن جميعا جنوبيين ونحن جميعا بما في ذلك القيادات التاريخية نملك هدفا واحدا، ولا يوجد أحد من الشخصيات التاريخية على طرف نقيض من المجلس، ونقدر مواقفهم المشرّفة المعلنة وغير المعلنة الداعمة بشكل أو بآخر لمسار حركة النضال والمقاومة سلما وحربا.
سبوتنيك: منذ أيام عقدت الجمعية الوطنية اجتماعها الأول بعدن وتحدثت عن مشروع دستور وقوانين وغير ذلك… ما هي الصفة القانونية للجمعية؟
— الجمعية الوطنية مؤسسة وطنية شعبية ولدت في لحظة مهمة لوضع الأسس الأولى لمستقبل الجنوب، وهي كأي مؤسسة مماثلة في مرحلة النضال من مهامها اقتراح مسودات مشاريع قانونية بالاعتماد على خبراء مختصين، ذات طابع مؤقت، استعداداً للحظة، التي يتم الاستفتاء عليها شعبياً، باعتبار الشعب مصدر السلطات، وهو الذي يختار عبر ممثليه المنتخبين أو بالاستفتاء المباشر أي مشروع دستور مؤقت قد تقتضيه أي لحظة سياسية معينة، ولسنا استثناء على أي حال عن مراحل التحول والانتقال التي يشهدها العالم.
ما موقفكم من مبادرات السلام التي طرحها المبعوث الأممي؟
— نحن نرحب مبدئيا بأي مبادرة لإيقاف الحرب وإحلال السلام العادل والدائم وابلغنا المبعوث الأممي برؤيتنا في هذا السياق.
ماذا لو وقفت الحرب وتجاهل التحالف قضيتكم؟
— التحالف العربي جاء لمقاتلة الانقلاب وذراع إيران في المنطقة، ولن يحدد من الذي سيبقى ومن الذي سيرحل. التحالف أكد أكثر من مره انه لن يتدخل في كيف سيحدد الناس مستقبلهم، وقضيتنا ليست (عريضة) على طاولة مدير مؤسسة خيرية، ولكنها قضية شعب أثبتت اللحظة والمعركة وتحولاتها أنه مفتاح الانتصار كما انه صمام الأمان والسلام، لذلك مثلما خضنا معركة المقاومة المسلحة و انتزعنا النصر ستكون معركتنا السياسية معركة تحقيق الأهداف وفق رؤية تؤسس للمستقبل، ولقد ولى عهد فرض المشاريع بالقوة.
المصدر : سبتونيك