همس اليراع
لم يعد هناك ذرة شك بأن حكومة بن دغر قد حققت نجاحا كبيرا، فشل في تحقيقه كل الذين سبقوه ممن كلفهم بهذه المهمة علي عبد الله صالح وأنصار حربه في 1994م على جنوب اليمن.
كان علي عبد الله صالح قد تعهد بتحويل عدن إلى قرية لكنه فشل في تحقيق هذه الغاية بفضل مقاومة سكان عدن والجنوب للهمجية والعشوائية والفوضى ومناعة الجسم الجنوبي التي تلقاها على مدى عقود من التعامل مع القانون والنظام والعلاقات المدنية والحياة المؤسسية وثقافة التعايش، لكن حكومة بن دغر تمكنت بنجاح منقطع النظير أن تدمر هذه الجبهة من خلال تغذية العشوائية وتغييب القضاء والنيابة العامة وإطلاق أيادي المجرمين والمنفلتين وزعماء العصابات ليفعلوا ما يحلو لهم وهو ما أوصل الفوضى في الجنوب درجة لم تصل إليها إلا الحارات المتخيلة في روايات نجيب محفوظ ومسلسلات أسامة أنور عكاشة.
حاول علي عبد الله صالح وشركاؤه استبعاد وتهميش الشعب الجنوبي من كل شيء يتعلق بالحضور المجتمعي والوطني، ويعلم الجميع أنه خلال العقود الثلاثة كانت حصة عدن (مثلا) من المنح الجامعية ومنح الدكتوراه والمجاستير لا تساوي 10 % مما تحصل عليه مديرية ريفية، وعندما جرى تسريح مئات الآلاف من الموظفين الجنوبيين من أعمالهم بالتزامن مع حرمانهم من دخول سلك وكليات الجيش والشرطة والأمن كان الجنوبي يبحث عن وسيلة للعيش الكريم بطريقة أو بأخرى واستطاع الآلاف وعشرات وربما مئات الآلاف أن يتدبروا أعمالاً وحرفاً بديلة ضمنت لهم وأسرهم حدا أدنى من العيش الكريم يليق بالإنسان، لكن حكومة بن دغر أوصلت المجاعة في الجنوب مستوى لم تبلغه قبلهم بقعة على سطح الأرض وتزامن ذلك مع نهب رواتب الموظفين وتحويل المليارات من مخصصات الخدمات بالعملة الأجنبية إلى الخارج، وها نحن قد دخلنا في مرحلة الموت جوعا في مديريات الازارق وزنجبار وستليها مناطق عديدة ستكون نتائجها كارثية وذلك كله نجاح منقطع النظير لحكومة بن دغر لا يستطيع أحدٌ ادعاء منافستها عليه.
كانت حرب الخدمات قائمة منذ 1994م واعتبرت إحدى جبهات المعركة بين الجنوب ونظام علي عبد الله صالح وشركائه، وبرغم الآثار المدمرة لهذه الحرب على مدى عقدين، فإن الجميع يعلم أن هذه الحرب لم تبلغ ذروة انعكاساتها المدمرة والقاتلة إلا في عهد حكومة بن دغر التي أغرقت عدن ومدن الجنوب بمياه البيارات وجبال القمامة التي صارت جزءً من حياة المدن، وصار مجرد وصول الكهرباء وماء الشرب لساعة أو ساعاتين في الأربعة والعشرين ساعة حدثا يحتفى به كأحد الأعياد.
يستطيع أحمد عبيد بن دغر ونوابه ووزراؤه أن يتفاخروا بفوزهم وتفوقهم على من سبقهم من الفاسدين والعابثين واللصوص والنصابين والمحتالين بتبوئهم المركز الأول في العبث والنهب وإسقاط الشعب الجنوبي بالنقاط التراكمية (أو هكذا يتوهمون).
نعم لقد نجح بن دغر وحكومته في تحقيق نجاح منقطع النظير بعد أن بدأت حرب التجويع والتركيع تؤتي ثمارها، لكن ما لم يحسب حسابه بن دغر وأمثاله أن غضبة الشعوب لها أوان وعندما يحين هذا الأوان لن تستطيع كل ألاعيب وبهلوانيات الدنيا أن توقفها أو تقف في وجهها لتمنع اندلاعها.
بقيت رسالة صغيرة نتوجه بها إلى فخامة رئيس الجمهورية إن كان ما يزال يراهن على دعمٍ وتوقيرٍ شعبيٍين لشرعيته:
يا فخامة الرئيس!
أنت أتيت بالحكومة من أجل الشعب (هكذا يفترض كما في كل حكومات الدنيا) ولم تخترع الشعب من أجل الحكومة، لكن حكومتك تحولت إلى جرثومة طفيليلة تتغذى على دماء وأرواح المواطنين، دون أن تحاول فعل شيء ولو تافه من أبسط واجباتها تجاه هذا الشعب.
لقد طالبناك باستبدال حكومة العار التي لم تبق لابليس عملا كي يفعله بحكومة كفاءات لكنك اعتبرت هذا المطلب تمردا على الشرعية، واليوم بعد أن بدأ الموت يلتهم ضحايا سياسات حكومة بن دغر ماذا تنتظر لتستبدل هذه الحكومة بحكومة كفاءات؟ هل تنتظر حتى يلتهم الموت مزيداً من الأرواح حتى تقدم على خطوة صغيرة كإقالة الحكومة واستبدالها؟ ماذا تبقى من موبقات يمكن أن تعملها حكومة بن دغر حتى تقيلها؟ أم إنك تتوقع أن لدى الحكومة من المساوئ والفضائح ما لم تفعله بعد، كي تفعله؟
اقتلع هذه الحكومة حتى لا يعتبرك الشعب تقف ضده في صف اللصوص والنصابين من هذه الحكومة، وكي لا يتهمك الشعب بأنك تجازيه كجزاء سينمار!!
ولله الأمر من قبل ومن بعد
____
* من صفحة الكاتب على فيس بوك.