أغمضت الطفلة نور مروان (4 أعوام) عينيها للمرة الأخيرة، ورحلت بجسد أنهكه المرض، مخلفة وراءها والدها المفجوع بموتها، بعد إصابتها بمعية أختها رغد، بحمى الضنك، الذي انتشر بشكل كبير في مدينة تعز (جنوب غرب اليمن)، التي تواجه تدهوراً للأوضاع الصحية، وتعاني مستشفياتها من عدم اهتمام الحكومة الشرعية والمنظمات المعنية بالصحة.
مع اشتداد المرض على نور ورغد، بدا والدهما ساخطاً، بسبب انتشار هذا الوباء، وعدم قيام المسؤولين بواجبهم للحد من تفاقم هذه المشكلة، متوسلاً أصدقاءه في مواقع التواصل الاجتماعي الدعاء لابنتيه.
وبرغم قيام الجهات المعنية –عقب ذلك- بحملات رش لمكافحة البعوض الناقل لحمى الضنك، في الحي الذي يسكنه مروان، غير أن ذلك لم يساعد في حماية آخرين من الإصابة بالمرض، لكنه لم يمنح نور القوة الكافية لمقاومة المرض.
نور واحدة من 14 حالة وفاة بسبب إصابتها بحمى الضنك. فيما وصل عدد الحالات المصابة إلى 2211، حتى الـ8 من أكتوبر الجاري، وفقاً لإحصائيات إدارة الترصد بمكتب الصحة والسكان بتعز.
وانتشر مرض حمى الضنك في مدينة تعز، نهاية أغسطس الماضي، نتيجة الأوبئة ومستنقعات المجاري المنتشرة في أجزاء متفرقة من المدينة.
ويؤكد الدكتور في هيئة مستشفى الثورة الحكومي بتعز، أحمد الدميني، أن الوباء اكتسح وسط المدينة، موضحاً لـ”المشاهد” بالقول: “طوارئ مستشفى الثورة لوحده يستقبل 20 حالة يومياً مصابة بالضنك، وبين الـ20 حالة 5 حالات تحتاج إلى ترقيد نتيجة دخولها بمضاعفات، و هو العدد الذي تستقبله بقية المستشفيات في المدينة”.
طوال فترة مرض نور، كان والدها يشعر بالحزن الشديد لعدم قدرة نور حياته على نطق كلمة “بابا”، وتمنى لو أن كل ذلك الألم في جسده لا جسدها.
وقال في منشور على صفحته في “فيسبوك”: “حياة الناس لا تهمكم، الآن لو كان الموضوع فيه سياسة ورزق لحزب فلان، لأشعلتم الفيس، لكن حمى الضنك لم تلقَ أي استجابة من المسؤولين”، موضحاً في ذات المنشور: “برغم الانتكاسة بالمرض، إلا أن ثقتي بالله كبيرة، وكلي أمل بالله وحده لا سواه أنكِ ستكونين بخير يا نور، أما الأطباء جريمة أن يحملوا تلك الأمانة، وهم عديمو الأمانة، إما عن استهتار أو جهل، إلا من رحم الله”.
وظل مروان يترقب طفلته، وحمى الضنك تفتك بها، دون أن يستطيع تقديم المساعدة لها. أخفى المرض جمال ملامحها، وبقي بريق عينيها الجميلتين المفتوحتين إلى الأعلى، وضفائرها، وتعلق دوماً بأمل نجاتها، وكثيراً ما تحدث عن اشتياقه لصوتها ولسماع طلباتها، ودلالها الذي تغمره به، ووعدها بالكثير من الوعود، لكنه عجز أن يمنحها الحياة، بعد أن حل موعد الوداع الأخير.
ويقول الدكتور الدميني: “يوجد نقص شديد بالأدوية والمستلزمات ومحاليل الفحوصات”، مضيفاً أن الوضع يتجه للأسوأ. فهيئة مستشفى الثورة أكبر مستشفيات المدينة، تفتقر لأبسط الإمكانيات والأدوية، حتى إبرة الباراسيتامول المضادة للحمى غير متوفرة، ولا يوجد بالمستشفى الفحص الخاص بالضنك، بقية الفحوصات صحيح متوفرة، لكن تحتاج إلى دفع رسوم من ذوي المصابين بالحمى، ولا يوجد بالمستشفى قسم رقود، ولذا يتم ترقيد الحالات بقسم الطوارئ بسبب إغلاق رقود الباطني.
وحسب رئيس الهيئة، فإن المستشفى بالكاد يستقبل الحالات الجراحية. ولا يوجد إمكانيات لاستقبال حالات باطنية في المستشفى الجمهوري الحكومي أيضاً، الذي يفتقر للإمكانيات، ولا يستطيع استقبال جميع الحالات بوضعه الحالي.
وترجع مصادر طبية أسباب ارتفاع نسبة الوفيات بالمرض، إلى عدم التعامل مع الحالة المرضية بطريقة صحيحة، وعدم تلقيها العلاج المناسب، إضافة إلى قلة المراكز الطبية التي يمكن من خلالها مواجهة تزايد أعداد الإصابة لتقليل دخول المريض في مضاعفات.
وما يفاقم الوضع كذلك، انتشار القمامة وتكدسها في العديد من الأماكن، إضافة إلى عدم انتظام حملات الرش الضبابي، وعدم وصولها إلى مختلف الأحياء.
وكان مكتب الصحة العامة والسكان بالمحافظة، وبدعم من السلطة المحلية، دشن في الأسبوع الأول من انتشار حمى الضنك، الرش الضبابي للمناطق التي يكثر فيها البعوض، ويسعى لتوزيع أدوية طارئة للمستشفيات، بحسب الدكتور الدميني، ولكن حتى الآن، لم يفتح أي مركز صحي مجاني للحميات، ليوفر الخدمات والأدوية والفحوصات بسهولة، مراعاة لظروف المرضى.
ويحتاج المصابون بحمى الضنك، إلى المحاليل الوريدية ومسكنات للحمى وفحوصات بشكل يومي، لمراقبة صفائح الدم، وفحوصات أخرى لمراقبة تطور المرض، وهذا يكلف المريض الواحد 13 ألف ريال يمني باليوم الواحد، كما يقول الدكتور الدميني.
ويعجز أهالي الحالات المصابة بمرض حمى الضنك عن دفع 1000 ريال، قيمة علاج لمرضاهم، فمن أين سيدفع الواحد منهم 13 ألف ريال؟ وفق إفادة أحد أهالي المصابين بحمى الضنك بتعز .
ويقول المواطن أكرم الجبيحي: الوجع ليس بفقدان نور فقط، بل لاستمرار انتشار المرض في المدينة حتى اليوم، واستمرار فقدان الأحبة الذين يسحقهم هذا الوباء، دون تحرك من السلطة المحلية بالمحافظة، أو المنظمات المعنية بمكافحة الأوبئة.