كسر المجلس الانتقالي الجنوبي، شوكة الشرعية وكسب أولى أهم جولات الرهان بين الجانبين، وذلك من خلال صدور القرار الجمهوري الذي قضى بإعفاء أحمد عبيد بن دغر من مهامه كرئيس لحكومة الشرعية وإحالته للتحقيق، وتعيين الدكتور معين عبدالملك سعيد رئيساً للحكومة والدكتور سالم أحمد سعيد الخنبشي نائباً لرئيس الحكومة، وهو القرار الذي امتاز بصبغته السياسية بامتياز في إطار صفقة ذات طابع تدخل سياسي إقليمي رفيع، رجح كفة المجلس الانتقالي الجنوبي، ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه، بعد طي صفحة بن دغر، من هو الهدف الثاني الذي يسعى الانتقالي للإطاحة به ومواصلة المضي في تحقيق الهدف الأسمى للجنوب والجنوبيين المتمثل باستعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة على حدود عام 1990م.
وبحسب مسودة القرار الجمهوري الذي أصدره رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي، مساء الإثنين، فان قرار إعفاء بن دغر من مهامه وتعيين عبدالملك بديلاً له، يعود إلى الإهمال الذي رافق أداء الحكومة خلال الفترة الماضية في المجالات الاقتصادية والخدمية، وتعثر الأداء الحكومي في تخفيف معاناة أبناء الشعب وحلحلة مشكلاته وتوفير احتياجاته وعدم قدرة الحكومة على اتخاذ إجراءات حقيقية لوقف التدهور الاقتصادي في البلد وخصوصاً انهيار العملة المحلية، إضافة إلى فشل الحكومة في اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة كارثة إعصار لبان بمحافظة المهرة وما أصاب أبناء المهرة جرّاء هذه الكارثة دون تحرك فعلي من الحكومة ولتحقيق ما يصبو إليه الشعب من استعادة الدولة واستتباب الأمن والاستقرار والمصلحة الوطنية العليا للبلاد، كما عزز ما تقدم حقيقة ما ظل ينادي به المجلس الانتقالي من ضرورة إقالة بن دغر وحكومته بسبب فشلهم الذريع في إدارة شؤون البلاد، كما عززت إقالة بن دغر، ثقة الجماهير الجنوبية بقيادتهم ممثلة بهيئة رئاسة المجلس الانتقالي برئاسة القائد اللواء عيدروس قاسم الزُبيدي.
واللافت أيضاً هو امتناع كافة مسؤولي حكومة الشرعية عن إصدار أي بيان أو إعلان تأييدهم لقرار الرئيس هادي، وكأنهم في قطيعة سياسية مع الرئيس هادي، رغم أنهم اعتادوا في السابق على إصدار البيانات وإعلان تأييدهم لما يصدرها الرئيس هادي من قرارات جمهورية رفيعة، الأمر الذي يضع تساؤولات وتكهنات هل هو عدم الرضا عن ذلك القرار أم أن هناك أسباب أخرى.
الانتقالي رقم صعب
وجدد المجلس الانتقالي، تأكيده وإثباته أن الجنوب بات رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه سواءً في المشهد الجنوبي بشكل خاص أو المشهد اليمني بشكل عام، ويمكن القول إن ذلك اتضح جلياً من خلال النجاحات السياسية التي حققها المجلس بشأن ملف القضية الجنوبية محلياً وإقليمياً ودولياً، واستجداء السلطات اليمنية ممثلة بالرئاسة والحكومة، بدول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة لإنقاذ الشرعية جنوباً وشمالاً، ويأتي استجداء الشرعية للتحالف العربي بعدما وصلت إليه من شعور بفقدان ثقلها على الأرض، والتفاف حبل المشنقة على عنقها وما آل إليه الواقع من مؤشرات جسدت إسدال الستار على آخر مراحل الشرعية.
تخبط الشرعية
وجاءت مجمل هذه التطورات متزامنة مع مستجدات الأحداث السياسية في الجنوب، وكان بيان المجلس الانتقالي الصادر في الـ 3 من شهر أكتوبر الماضي، والذي أعلن خلاله المجلس فك أي إرتباط له بالشرعية وحكومتها، ودعا الشعب إلى السيطرة على المؤسسات الإيرادية تحت حماية القوات الجنوبية، قد أدخل الشرعية في حالة استنفار غير معلنة، كونه منذ إصدار الانتقالي بيانه التاريخي، عكفت الحكومة برئاسة رئيسها السابق بن دغر، على عقد اجتماعات متواصلة للبحث عن حلول ومعالجات يجنبها عواقب التحرك الشعبي تجاوباً مع دعوات الإنتقالي، وظلت تسعى جاهدة لإيجاد معالجات للأزمة الإقتصادية المتفاقمة والتخفيف من الغليان الشعبي المناهض لها في عدن والجنوب، كون حكومة بن دغر، أضحت ترى أنها في مواجهة مباشرة مع الشعب الذي ضجر من سياسات التجويع التي خلفتها الحكومة المتهمة بالفساد، ولعل ما زاد مخاوف وقلق بن دغر وحكومته، اتخاذ دول التحالف العربي موقف الحياد، ورفضها التدخل لإنقاذ الحكومة كما حدث في يناير الماضي.
ومنذ ذلك الحين، بات التخبط واضحاً على ممارسات بن دغر وحكومته، وانكشف ذلك بشكل واضح وجلي من خلال إصدار الحكومة برئاسة بن دغر، توجيهات مباشرة لمختلف وسائل الإعلام الرسمية بالدفاع عن الحكومة والعمل على تلميعها والوقوف في وجه التحركات الشعبية والمجلس الانتقالي الجنوبي، جاء ذلك في لقاء جمع بن دغر، ومسؤولي المؤسسات الإعلامية الحكومية، عُقد مؤخراً في العاصمة السعودية الرياض، وكان هدفه حشد الإعلام الرسمي وإقحامه في مواجهة مباشرة مع المجلس الانتقالي، واللافت عدم تطرق اللقاء إلى تداعيات انقلاب ميليشيا الحوثي الإيرانية وكيفية مواجهته إعلامياً، بقدر ما كُرس لبحث آليات الدخول في معركة خاسرة ضد المجلس الانتقالي، وكعادته ظهر بن دغر، مرتدياُ قناع الوطنية بذهابه للتأكيد على رفض السلوكيات التي من شأنها تقسيم وتجزئة اليمن والانقلاب على الجمهورية وأهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر وواحدية النضال الوطني باعتبار ذلك خيانة لدماء الشهداء ومناضلي الثورة اليمنية شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً.
تناقض ومزاعم
كما بدا التناقض واضحاً على رئيس الحكومة السابق بن دغر ورموز حكومته، وهو ما عكسه ظهورهم الإعلامي الذي كان يخفي ورائه التدليس وتمرير مزاعمهم على الشارع الجنوبي المثقل بالمعاناة المترتبة على فشل حكومة الشرعية، حيث أطلق بن دغر، إعلاناً مزعوماً، قال فيه: لقد نجحنا رغم التهديد والوعيد وغدر الأخ والصديق، في وقف انهيار الريال اليمني، وأضاف بن دغر في تصريحه المتناقض مع الواقع جملة وتفصيلاً: كما قاومنا سياسة الإقصاء وتمزيق وحدة الوطن، ولقد فرضنا على الريال العودة للحياة بعد أن جعله الآخرون يتجرع الموت، وصراعنا مع الريال خضناه للحفاظ على ما تبقى من لقمة العيش، أنه الوجه الآخر لصراعنا من أجل البقاء شعب موحد ووطن ذو سيادة، وتناسى بن دغر، أن الواقع يقول عكس ذلك، كما تعكس مؤشرات تداول وصرف العملات زيف إعلان بن دغر، حيث يشهد سوق العملات تذبذباً واضطراباً في أسعار الصرف التي باتت غير مستقرة بين الصعود والهبوط، غير أنها لم تعد إلى المستوى التي كانت عليه في السابق، وخصوصاً أن الريال اليمني ما زال يترنح عند نحو 700 ريال وأكثر أمام الدولار الواحد، وسط تفاقم المعاناة والحياة المعيشية الصعبة بين أوساط المواطنين، نتيجة غلاء الأسعار.
وفي الجانب الآخر، استبق المسؤول البارز في قيادة الشرعية محافظ البنك المركزي اليمني محمد زمام، يوم الـ 14 من أكتوبر، بالإعلان عن خشيتهم من الأوضاع وما قد يحدث في يوم الـ 14 من أكتوبر، وأن السوق شهد قيام العديد من رجال المال بعملية كبيرة في تحويل عملة الريال اليمني إلى الدولار للحفاظ على أموالهم، وجاءت تلك المخاوف بالتزامن مع استعدادات المجلس الانتقالي الجنوبي والجماهير الجنوبية للاحتفاء بالذكرى الـ 55 لثورة الـ 14 من أكتوبر المجيدة، وذلك قبل أن يعلن المجلس الانتقالي إلغاء أي احتفالات بذكرى أكتوبر لاعتبارات سياسية وتغليب المصلحة الوطنية الجنوبية العليا وتفويت الفرصة على المتربصين بالجنوب والجنوبيين.
رهان خاسر
كما راهنت القوى والتيارات السياسية الحزبية الشمالية بصدارتها حزب التجمع اليمني للإصلاح ذراع الإخوان المسلمين والنظام القطري في حكومة الشرعية، على اقتتال الجنوبيين وغرق عدن والجنوب في مستنقع من الدماء، وهنا جاء الرد صاعقاً على تلك القوى والتيارات السياسية، من خلال ما شهدته عدن في يوم الـ 14 من أكتوبر والاحتفال بالذكرى الـ 55 لثورة أكتوبر، من حالة هدوء واستقرار، فوتت الفرصة على أعداء الجنوب والجنوبيين الساعيين لإثارة الفتنة واقتتال الجنوبيين فيما بينهم، وغرق عدن والجنوب والجنوبيين في ذكرى أكتوبر وسط مستنقع إراقة الدماء والاقتتال، وبذلك خابت ظنونهم وتبددت مساعيهم، وبالمقابل، عزز الجنوبيون تأكيدهم السمو فوق كل الاعتبارات والصغائر وتعايش الجميع فيما بينهم والقبول بالآخر، وذلك انطلاقاً من حرصهم على تجسيد مبادئ وقيم التصالح والتسامح في أسمى المراتب والمحافظة على البيت الجنوبي.
*المصدر:عدن تايم