كنت قد كتبت عن الإعدام خارج القانون ولماذ تحوط المشرع كثيراً في تنفيذ هذه العقوبة التي جعلت كل القوانين الوضعية بأنها لابد ان تكون صادرة من اعلى درجات المحاكم وبعدها لابد من تصديق ولي الامر عليها لانها عقوبة لايمكن الرجوع عنها والتأني في تنفيذها وأخذ كامل الاحتياطات قبل الأقدام عليها لانها عقوبة يجوز التنازل عنها من أولياء الدم ولابد من مضي فترة حتى تهدى النفوس والخواطر ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا واليكم ما كتبته قبل عشرة ايام فقط @ الاعــدام خــارج القـــانـون
المعروف لدى كل من لديه فطرة سليمة ناهيك عن أن يكون مهتم بالقانون والحقوق والحريات أن الاعدام خارج القانون وبدون محاكمة يعتبر جريمة قتل كاملة الأركان مهما كانت جريمة الضحية وما إذا كان يستحق هذه العقوبة من عدمها .
ذلك أن الدعاوى التي تكون عقوبتها الاعدام يجب أن تستوفي أعلى معايير الاستقلالية والكفاءة والموضوعية والنزاهة المطلوبة في القضاء ويجب أن يتمتع المتهم بكافة حقوقه القانونية التي يجب توفيرها له إن لم تكن لديه القدرة على توفيرها .
وفي عام 1989م صدر قرار الأمم المتحدة رقم 44- 163 والذي يحظر جميع عمليات الاعدام خارج القانون , وهذا القرار أوضح أنه لا يجوز التذرع بالحالات الاستثنائية بما في ذلك حالة الحروب أو التهديد بالحرب أو عدم الاستقرار السياسي أو حالة الطوارئ وألزم هذا القرار الدول الأعضاء بتجريمها في قوانينها الوطنية وقد أنشأت الأمم المتحدة منصب حقوق الأمم المتحدة الخاص المعني بعمليات الاعدام خارج نطاق القضاء أو الاعدام بدون محاكمة منذ عام 1982 م .
والأمم المتحدة عندما أصدرت هذا القرار تحت ضغط المنظمات المهتمة بحقوق الانسان كانت تراعي أن عقوبة الإعدام وقبل توقيعها يجب أن تحظى بأعلى درجات العدالة والشفافية والمصداقية والتأني كونها عقوبة يستحيل التراجع عنها بعد تنفيذها .
أكتب هذه المقدمة التاريخية وأنا أرى وطنا ينزف من الوريد إلى الوريد وعمليات اعدام قامت بها أطراف عدة لأسرى حرب تحت مبررات لا تدحض عنها أنها جريمة قتل متعمد كاملة الأركان , والملاحظ أيضا أن وسائل التواصل الاجتماعي قد حفلت بمشاهد مروعة ومفجعة ارتكبها أناس تحت نشوة انتصار مازال محل علامات استفهام كثيرة .
إن هذه المشاهد المروعة فضلا عن أنها جرائم يجوز ملاحقة من يظهرون فيها أمام القضاء المحلي الذي يجب على المنظمات المهتمة بحقوق الإنسان توثيقها وملاحقة مرتكبيها وحتى أمام القضاء الدولي .
هذه الجرائم فضلا عن كل ذلك ومع الإقرار أن ما ارتكب من العصابات المسلحة جرائم يندى لها الجبين إلا أن مثل هكذا ممارسات سيكون لها انعكاسات سيئة على سلوكيات الناس وأخلاقهم وحياتهم المستقبلية إذ أن الاستمراء بمثل ذلك يجعل من النفس البشرية في نظر هؤلاء كائن حقير ولا تساوي قيمته إلا قيمة طلقة الرصاص التي يغتال وتزهق بها روحه .
إننا هنا نناشد جميع الأطراف أن تكون للنفس البشرية حرمة ليس حفاظا على الضحايا فقط بل حفاظا على الجناة أيضا حتى لا يتحولوا إلى وحوش كاسرة وحفاظا على مجتمع كاد يتحول إلى مصحة للأمراض العقلية .
والله من وراء القصد ...