منذ أصقاع التاريخ، كانت المجتمعات، في الحروب والأزمات والكوارث الطبيعية، تتوحد تلقائيا، على قلب رجل واحد، نبيل مؤتمن، حريص على تخليص المجتمع من أمراضه الصغيرة، كالطائفية والتخوين والمعارك الجانبية والشخصية، فيعمل مخلصا على توحيد الجهود، وشدّ الهمم وتوفير كافة الإمكانيات لمجابهة المخاطر والتحديات، على أكمل وجه ممكن.
في الماضي، وقبل وسائل الإعلام، كانت المجتمعات، تتوحد بطريقة سحرية أقرب إلى المعجزة، فتراهم يشجعون الجند ويؤازرونهم في المعارك، وتراهم يتراكضون في الأزمات والكوارث لمدّ يد المساعدة، وإغاثة المحتاج والفقير والمعوز، وحين ظهرت وسائل الإعلام التقليدية، كالإذاعة والصحف والتلفاز، ظلّ الجميع يحافظ على هذه الوتيرة، بتوجيه وسائل الإعلام الرسمية، للاصطفاف خلف القيادة، وعدم الانجرار وراء الشائعات والفبركات المغرضة، التي من شأنها تقويض سلامة المجتمع وخلخلة أركانه.
الآن، قد تكون جائحة كورونا العالمية، التي اقتربت من تسجيل مليون إصابة، نموذجا يستحق الدراسة والتدقيق، في ظلّ ظهور صحافة المواطن، وتطوّر وسائل التواصل والبيانات المفتوحة، وفي زمنٍ تُخيم فيه حدّة الاصطفاف العرقي والطائفي والسياسي، وتعقيدات التحالفات الدولية وتشابكها، والتي سبقتها إفرازات محاور متضادة، كشفت عن المتآمرين الذين ينصبون العداء للأمة العربية، كالرئيس التركي أردوغان ومن يؤازره من الإخوان الإرهابيين، أو مدّعي محور المقاومة، الذين يؤيدون إيران وأذرعها، الحوثي وحزب الله والحشد الشعبي، ويدافعون عنها دفاعا مستميتا..!
يقف معسكر الاعتدال العربي، الذي يُشكل السواد الأعظم من الأمة، ويُمثل وجهة نظر أكثر من 300 مليون عربي، موقفا حازما من جائحة كورونا، وعلى قلب الملك سلمان بن عبدالعزيز، وإثر خطابه التاريخي في قمة العشرين، تلتف القلوب وتتآلف، وتتفق أن المرحلة ليست مرحلة معارك جانبية، بل هي معركة عالمية لمواجهة خطر داهم يُهدد البشرية جمعاء، ولكنّ المتآمرين، الذين تتحدث باسمهم قناة الجزيرة ومن يمولها ويقوم عليها، وكذلك مدّعو المقاومة، مجتمعين أو منفردين، يأبون ذلك، بالجهل أو بالتعنت، فيطلقون مع أخبارهم وبرامجهم الهشة، وتغريداتهم المضحكة، صواريخ بالستية عمياء، وكذلك يطلقون زبانيتهم من الطابور الخامس، على وسائل التواصل الاجتماعي، لمحاولة خلخلة أركان المجتمعات وتفتيتها..!
هذه ليست ميثولوجيا سياسية، هذه دراسة علمية رصدت وترصد يوميا ما يحدث في الواقع السياسي وما يحدث أيضا في الواقع الافتراضي، تراقب همّ العالم الذي توحد خلف الجهود الأمينة المخلصة، وكذلك تراقب حشرجات القلوب الصغيرة، بحجم فايروس كورونا نفسه، التي تحاول التسلل في جسد المجتمع العربي، لتنفث فيه سمومها..!
الحلال بيّن والحرام بيّن، ونتائج الدراسة العلمية هنا لا تقبل المشتبهات، وسواء كنت في المجتمع أو وسط الواقع السياسي أو تشارك في الواقع الافتراضي، فإما أنك خلف القيادة تؤازر وتؤيد وتشجع وتطيع، وإما أنك في الصف الآخر الذي يتآمر ويدّعي ويحيك المكائد وينفثث السموم..!
كانت المسافات، في الماضي البعيد، خلال الكوارث والأزمات والحروب، تتقارب وتتلاصق حد الانصهار، لتكوين جبهة واحدة، أما اليوم، وفي ظلّ فايروس كورونا المُعدي، فإن تباعد المسافات والالتزام بالتباعد الاجتماعي، هو الوسيلة الأنجع لإنشاء الجبهة الموحدة، ولا يمنع ذلك أن نتقارب، عبر وسائل التواصل، ولكن على قلب رجل واحد.
* روائية وباحثة سياسية