المواطن الجنوبي وتعاسته المحتومة
إن هذا الكائنَ الذي كافحَ ويكافحٌ مراراً من أجل حياة كريمةِ، وسعادة ولو بسيطة، وحريتهْ التي هي ملك له، ليفتقد اليومَ لأبسط مقومات الحياة، كنا وما زلنا في كفاحٍ دائم، ونضال ومقاومة مستمرةٍ ضدَ كل سلطة تأكل قمح الشعب، وضد كل فاسدِ يصادر حقوق الإنسان الجنوبي، لكن مؤخرا تغير الأمر كثيرا، أصبحت الحياةٌ أكثر بؤساً وتعاسة، إمتزجت دماءنا ببكاء القلوب من شدة القهر والجوع الذي حل بالمنطقة...!
عندما تعصف العواصفٌ الهوجاء بقلب أرهقه التعب، وأضناه الوجع، يضطربٌ حتى يخرجَ الصوت منه دونما حياة، وتُقتلع جذوره من منابتها، ينزفُ هو حد الأنين، ويتذكر بالنهاية مدى هشاشته وسهولةَ إقتلاعهْ، مؤلم جداً، مؤلم حقاً، أقسم انه العذاب بعينه...!
اليوم بكيتٌ بكاء طفلٍ فقد أمه، نحبت وكتمت شهقاتي كي أتخلص من هذا الكابوس - كابوس الوطن المسلوب- أقنعت نفسي زيفا وكذبا بأن الكابوس سيتحطم، وماهي إلا لحظاتٍ حتى رأيت ما بنيته من السراب في خيالي قد تهاوى سريعا وعاد الكابوس مطمئناً...!
هلكتْ أسوار معبدي، وقتلني خوفي، ولم أعد أحتمل مزيدا من الكذب على النفس، بأن الجرح قد ٌتعافى، وأني تخطيت حاجز الوجع، ودفنت الندبات تحت ثرى النسيان، تظهر الحقيقة جليةً واضحةً، مع أول إعصار طاحن، لتٌزهقَ روحي بصمتٍ مطبقْ، وأقف على مشارف الهلاك مقيد بالأحكام المجحفة...!
تعبتٌ وتعبتْ نفسي من كذبي عليها، وليتني لم أذق طعم الوهم وتلبسهْ بالحقيقةٍ المزيفة، عذرا أيها الأصدقاء، عذرا إنها الحقيقة.
أعتذر لمن خدشت فرحته بكلماتي المضرجة بالتعب والدماء والشقاء، أعتذر جدا، أعتذر، أعتذر.