بإعلان الرئيس عبد ربه منصور هادي تشكيل مجلس رئاسي وطني في اليمن يكون المشهد السياسي مختلفاً كلياً عن ما قبله، فالحالة المرتبكة التي نشأت منذ إسقاط دولة الرئيس خالد بحاح في ابريل 2016 مكنت لقوى الاسلام السياسي الاستحكام بقرارات الشرعية ودخلت في تخادم مع مليشيات الحوثي كلفت اليمن والمنطقة ثمانية أعوام من حرب استنزفت موارد الشعب اليمني وفاقمت من الفقر والتضخم مع تردي الخدمات بسبب استشراء الفساد السيا
كان لابد من إجراء عملية جراحية معقدة تستأصل العنصر المسبب للفساد في المؤسسة الشرعية لذلك كان قرار إعفاء علي محسن الأحمر من منصب نائب الرئيس هو مفتاح الحل الصعب في عملية جراحية حساسة تتطلب حرصاً ومسؤولية لدقة الإجراء وما يمكن أن يتبعه من ارتدادات لذلك جاء استبعاده كخطوة أولى لتشكيل مجلس رئاسي يمتلك كل السلطات الدستورية والقانونية، هذا المجلس المتوزع بين رئيس ونائبين جنوبي وشمالي، بالإضافة إلى بقية أعضاء المجلس.
شكل وجود علي محسن الأحمر العصا في الدولاب الذي عطل العملية العسكرية وفتح باب الفساد لكل المؤسسات داخل الشرعية والأخطر أنه عمل على التخادم مع الحوثيين لمصلحة أجندة الربيع العربي الذي حول اليمن لنقطة الاستنزاف المستمرة بدون توقف، الإجراءات الأخيرة في هيكلة الشرعية تظل خطوة نحو الهدف من عملية عاصفة الحزم باستعادة المسار السياسي وإنهاء الانقلاب الذي وقع في سبتمبر 2014، المشهد السياسي المتعكر يبدو الآن أكثر وضوحاً خاصة مع استجابة الأطراف لهدنة الحرب الواعدة عملياً بوقف دائم للحرب.
المهمة ليست سهلة على عاتق المجلس الرئاسي الذي عليه مهام جسيمة بإصلاح المؤسسات السيادية والخدمية التي تضررت وانعدم فيها الثقة، المواطن اليمني جنوباً وشمالاً يحتاج إلى إشعاره بالثقة في الدولة وهذا ما يجب أن تكون أولوية مجلس الرئاسة الجديد، فالاقتصاد المنهار يحتاج عمل صادق لانتشاله من الحالة التي سقط فيها بعد سنوات تكسرت فيها مفاعيل الاقتصاد والسياسة وباتت الشرعية وبال على من احتملها.
شكلت السنوات الماضية واقع مختلف على الأرض وكان من الخطأ البناء على غير مكتسبات عاصفة الحزم التي أسهمت فيها الإمارات وساندت فيها القيادة السعودية ضمن مواجهة الاسلام السياسي والفوضى في المنطقة، ومنذ تحرير عدن في اكتوبر 2015 وما تم بعدها من عمليات مكافحة إرهاب لتنظيم القاعدة وداعش في أوسع عملية منذ عقود نشأت فيها هذه التنظيمات عبر فرع جماعة الإخوان في اليمن، وكانت فيه اليمن حاضناً وحصناً لهذه الجماعات حتى أتت الفرصة لمكافحتها واجتثاثها بتشكيلات كانت نواتها في المقاومة الجنوبية.
الواقع على الأرض أكد أن المجلس الانتقالي الجنوبي يشكل الأرضية الصلبة التي يمكن الاستناد عليها سياسياً وعسكرياً وهو أحد أهم نجاحات الإمارات التي وجدت في أفراده الصدق والولاء للمشروع العربي والمناهض لقوى الإسلام السياسي بكل توجهاتها، هذه الأرضية كان جدير بالاتكاء عليها خاصة وأن اتفاق الرياض في نوفمبر 2019 كان قد منحه المشروعية السياسية التي كان قد حصل عليها من التفويض الشعبي بإعلان عدن التاريخي.
الشرعية ليست فرد عبد ربه منصور هادي بل هي مؤسسة سياسية اختطفت في لحظة فساد مظلمة وتم اقصائها وعزلها عن هدف استعادة المسار السياسي الذي تشكل ليكون اليمن ضمن نطاقه العربي ولا تستحكم به القوى الظلامية والمتشددة، لذلك ما حدث كان إجراء قانونيا صحيحا بنقل سلطات هادي لمجلس رئاسة من القوى الفاعلة على الأرض بما يمثله الانتقالي والمقاومة الوطنية وقبائل مأرب.
طويت صفحة من تاريخ اليمن السياسي وفتحت صفحة جديدة تماماً لن تشبه ما قبلها من صفحات في حال استطاع مجلس الرئاسة أن يتآلف ويدخل في مفاوضات تسوية سياسية مع الحوثيين لتحويل الهدنة إلى وقف دائم للحرب وتشكيل رافعة وطنية متوازنة بين الشمال والجنوب وفقاً لتطلعات الشعبين وما يضمن استقرار المنطقة أمنياً والاستفادة من الفرص الاقتصادية المتاحة والممكنة، المستقبل بيد الرجال الذين صدقوا في سنوات العسرة والآن بأيديهم القادم فهذه فرصة لم يعرف لها التاريخ اليمني جنوباً وشمالاً مثيلاً لها.