ذِكر الله من أجلِّ العبادات وأحبّها إليه سبحانه، فلم يزل يأمر به عباده ويحثُّهم عليه، تزكيةً لنفوسهم وتقويةً لإيمانهم وزيادةً في يقينهم، فإنَّ المُلازم لذِكر الله في كافة أحواله، لا تراه إلاَّ سبَّاقًا إلى طاعة الله، وقَّافًا عند حدوده، قائمًا بأمره، مُدبِرًا عن الدنيا، مُقبِلاً على الآخرة، وأذكار الصباح والمساء من أهم الأذكار التي ينبغي للمسلم أن يحافظ عليها، ولا شك أن من عوامل تقوية الإيمان والصلة بالله ـ عز وجل ـ المحافظة والإكثار من الأذكار الشرعية التي شرعها الله لنا في كتابه، وعلمنا إياها نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
وقد أمرنا الله ـ عز وجل ـ في كتابه بالإكثار من ذكره فقال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً }(الأحزاب الآية:41: 42)، وأخبرنا ـ سبحانه ـ أن ذِكْرَه سبب لطمأنينة القلوب، فقال تعالى: { الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ }(الرعد الآية: 28)،
وقد ذكر الإمام ابن القيم مائة فائدة لذكر الله ـ عز وجل ـ، نذكر منها
خمس عشرة منها، ويُرجع إلى الباقي في كتابه ” الوابل الصيب من الكلم الطيب
“، فقال: ” وفي الذكر أكثر من مائة فائدة:
إحداها: أنه يطرد الشيطان ويقمعه ويكسره
الثانية: أنه يرضي الرحمن ـ عز وجل ـ
الثالثة: أنه يزيل الهم والغم عن القلب
الرابعة: أنه يجلب للقلب الفرح والسرور والبسط
الخامسة: أنه يقوى القلب والبدن .
السادسة: أنه ينور الوجه والقلب،
السابعة: أنه يجلب الرزق،
الثامنة: أنه يكسو الذاكر المهابة والحلاوة والنضرة،
التاسعة: أنه يورثه المحبة التي هي
روح الإسلام وقطب رحى الدين ومدار السعادة والنجاة، وقد جعل الله لكل شيء
سبباً وجعل سبب المحبة دوام الذكر، فمن أراد أن ينال محبة الله ـ عز وجل ـ
فليلهج بذكره، فإنه الدرس والمذاكرة كما أنه باب العلم، فالذكر باب المحبة
وشارعها الأعظم وصراطها الأقوم،
العاشرة: أنه يورثه المراقبة حتى
يدخله في باب الإحسان، فيعبد الله كأنه يراه، ولا سبيل للغافل عن الذكر إلى
مقام الإحسان، كما لا سبيل للقاعد إلى الوصول إلى البيت .
الحادية عشرة: أنه يورثه الإنابة،
وهي الرجوع إلى الله ـ عز وجل ـ، فمتى أكثر الرجوع إليه بذكره أورثه ذلك
رجوعه بقلبه إليه في كل أحواله، فيبقى الله ـ عز وجل ـ مفزعه وملجأه،
وملاذه ومعاذه، وقبلة قلبه ومهربه عند النوازل والبلايا،
الثانية عشرة: أنه يورثه القرب منه، فعلى قدر ذكره لله ـ عز وجل ـ يكون قربه منه، وعلى قدر غفلته يكون بعده منه،
الثالثة عشرة: أنه يفتح له باباً عظيماً من أبواب المعرفة، وكلما أكثر من الذكر ازداد من المعرفة،
الرابعة عشرة: أنه يورثه الهيبة لربه
ـ عز وجل ـ وإجلاله، لشدة استيلائه على قلبه وحضوره مع الله تعالى، بخلاف
الغافل فإن حجاب الهيبة رقيق في قلبه،
الخامسة عشرة: أنه يورثه ذِكْرَ ـ
الله تعالى ـ له، كما قال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ }({البقرة من
الآية : 152)، ولوْ لم ْيَكُنْ في الذِكْرِ إلا هذه وحدها لكفى بها فضلاً
وشرفاً، وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: فيما يروي عن ربه ـ تبارك وتعالى ـ: (
مَنْ ذكرني في نفسه ذكرتُهُ في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير
منهم ” .
وبين لنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فضل ذكر الله تعالى فقال: ( ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأرضاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إعطاء الذهب والورِق(الفضة)، ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟، قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟، قال: ذكر الله ) رواه ابن ماجه وصححه الألباني .
وهو وصيته ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمن كثرت عليه شعائر الإسلام، فعن عبد الله بن بسر ـ رضي الله عنه ـ قال ( لما شكا الرجل حاله قال: يا رسول الله! إن شعائر الإسلام قد كثرت عليَّ فأخبرني بأمر أتشبَّثُ (أتمسك) به، قال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله ) رواه الترمذي وصححه الألباني، وقوله: ” بشيء أتشبث به ” أي ليسهل عليَّ أداؤه، أو ليحصل به فضل مافات منها من غير الفرائض، ولم يرد الاكتفاء به عن الفرائض والواجبات ” .
والذِكْرُ يكون بالقلب ويكون باللسان، وهو مراتب، وأعلى مرتبة إذا وافق القلب اللسان، كما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حديث السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله، فذكر منهم: ( ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ) رواه مسلم .
ومما ينبغي للمسلم أن يحافظ عليه من الأذكار: أذكار الصباح والمساء، وقد اشتملت على خير كثير يحصل للعبد إذا وُفِّق لقولها وحافظ عليها، ويدفعُ الله بها عنه شراً كثيراً، وقد كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحافظ عليها، وكانت جزءاً من أذكاره اليومية الدائمة، لما فيها من مراقبة المسلم لربه، وتمسكه بالعهد الذي بينه وبين خالقه، الذي يجدده كل يوم قائلا: ( وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت )،
ويُشهد الله وملائكته وجميع خلقه على إيمانه: ( اللهم إني أصبحت أشهدك واشهد حملة عرشك وملائكتك وجميع خلقك أنك أنت الله )، ويستعيذ بالله من شر نفسه، ومن أن يقترف سوءا على نفسه أو يجره على غيره: ( أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر الشيطان وشركه، وأن أقترف على نفسي سوءاً أو أجره على مسلم )، وتأتى هذه الأذكار كذلك للتذكير بنعم الله على عبده وإقراره بها : ( أصبحت منك في نعمة وعافية وستر )، وتفتح له باب الرجاء والأمل في المزيد من النعم: ( فأتم على نعمتك وعافيتك وسترك ) .
وقد ترك لنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذِكْرا وأدباً نقتدي به
في جميع أحوالنا، فعن سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ أنه قيل له: ( قد
علمكم نبيكم ـ صلى الله عليه وسلم ـ كل شيء حتى الخراءة؟، قال: فقال: أجل )
رواه مسلم، ومعنى ذلك أن نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ علمنا آدابا
وأذكاراً في كل شيء من حياتنا، حتى في جلوسنا لقضاء الحاجة من بول وغائط .
وهذه الآداب والأذكار التي علمنا إياها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
آداب وأذكار شاملة لحياة المسلم اليومية في: الأكل والشرب، والاستيقاظ
والنوم، والطعام واللباس، ودخول المنزل والخروج منه، ودخول المسجد والخروج
منه، وعند الرياح ونزول المطر، وعند السفر وركوب الدابة (السيارة وغيرها)،
وعند الفرح والحزن، والمرض والعافية .. إلى غير ذلك من الأحوال اليومية
التي يتعرض لها الإنسان ويعيشها، حتى يكون المسلم موصولاً دائماً بالله ـ
عز وجل ـ، فينال سعادة الدنيا والآخرة .
أولادنا والأذكار :
مما ينبغي على الوالدين تحفيظ أولادهم الأدعية والأذكار التي كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقولها في أحواله اليومية، وذلك باستخدام أسلوب التدرج في التعليم والتعويد عليها، ومن أمثلة ذلك بعض أذكار الصباح والمساء التي علمها لنا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وأدعيته اليومية المختلفة، كدعاء الاستيقاظ من النوم وعند الأكل والشرب، ودخول الخلاء والخروج منه، ودخول المنزل والخروج منه، ومن الممكن الاستعانة ببعض الملصقات التي تعين على تذكر ذلك، ليتعود الطفل على الأذكار النبوية، فيشب على حفظها واعتياد فعلها من الصغر، اقتداء بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
ومن أعظم فوائد تعويد الأطفال الأذكار: ترسيخ العقيدة الصحيحة في نفوسهم، لكثرة ما تتضمنه من معاني التوحيد والتوكل على الله، إضافة إلى غرس محبة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسنته في قلوب الناشئة، وتخلّقهم بأخلاقه وآدابه ـ صلى الله عليه وسلم ـ،
إضافة لما فيها من حفظ الله لقائليها ورضاه عنهم ـ صغارا وكبارا ـ، كقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أذكار الصباح والمساء: ( بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ) حيث وعد قائلها ثلاثاً في الصباح بأنه لا يضره شيء حتى يمسي، وقائلها ثلاثاً في المساء بأنه لا يضره شيء حتى يصبح .
إن ذكر الله نعمة كبرى، ومنحة عُظمى، به تُسْتَجْلَبُ النعم، وتدفع النقم، وهو قوت القلوب، وقرة العيون، وبه تُسَّر النفوس وتنشرح الصدور، وتكشف الهموم،، وتفرج الكروب، وتُمْحَى به السيئات وتُجلب الحسنات، وهو علامة على حياة القلوب، وضده ـ الغفلة ـ علامة على مواتها، فعن أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( مثل الذي يذكر ربه، والذي لا يذكر ربه، مثل الحي والميت ) رواه البخاري، وفي رواية لمسلم: ( مثل البيت الذي يُذكر الله فيه، والبيت الذي لا يذكر الله فيه، مثل الحي والميت ) .