الخليج ترصد تمدد الحوثيين من كهوف مران إلى القصر الجمهوري بصنعاء

قالت انهم تقدموا بسبب انقسام الجيش وتصفية الحسابات السياسية والشخصية

الخليج ترصد تمدد الحوثيين من كهوف مران إلى القصر الجمهوري بصنعاء

قبل 9 سنوات
الخليج  ترصد  تمدد الحوثيين من كهوف مران إلى القصر الجمهوري بصنعاء

الأمين برس /الخليج /عادل الصلوي 

شهد العام 1986 الإرهاصات الأولى لظهور جماعة الحوثي كتيار فكري تتسق توجهاته المذهبية مع توجهات فرقة "الجارودية"، وهي إحدى فرق الزيدية التي تتقارب في أفكارها نسبيّاً مع المذهب "الاثني عشري"،الذي انفرد بدر الدين الحوثي والد مؤسس الجماعة بالترويج له والدفاع عنه، في غمرة خلافات حادة وطارئة نشبت بينه وبين بقية علماء الزيدية في اليمن على خلفية فتوى تاريخية وافق عليها علماء الزيدية، وعلى رأسهم المرجع "مجد الدين المؤيدي"، تقضي بأن شرط النسب الهاشمى للإمامة صار غير مقبول اليوم، وأن هذا كان لظروف تاريخية، وأن الشعب يمكن له أن يختار مَن هو جديرٌ لحكمه من دون شرط أن يكون من نسل الحسن أو الحسين (رضي الله عنهما)، ليتوج مشهد التصعيد الطارئ بإصدار العلامة بدر الدين كتاباً بعنوان "الزيدية في اليمن" تضمن تفنيداً لأوجه التقارب بين الزيدية والاثني عشرية، وهو ما قوبل بتصعيد مماثل وحاد من علماء الزيدية، اضطر ازاءه الأخير إلى مغادرة اليمن والتوجه للإقامة المؤقتة في العاصمة الإيرانية طهران، التي برزت من ذلك التاريخ كحاضنه سياسية وإيديولوجية لتيار مذهبي ناشئ في اليمن، سرعان ما تحول لاحقاً إلى حركة تمرد مسلحة خاضت ست حروب متعاقبة مع الجيش اليمني، قبيل أن تتمدد وتبسط نفوذها المسلح على العاصمة صنعاء والعديد من المحافظات الشمالية .

في صيف العام 1997 تزعم حسين بدر الدين الحوثي المؤسس الراحل لجماعة الحوثي ومعه ثلاثة عشر من أعضاء "حزب الحق"، من أبرزهم يحيى عزان وعبدالكريم جدبان، وهذا الأخير اغتيل في ملابسات غامضة في العام ،2014 حركة انشقاق مفاجئة عن الحزب توجت بتأسيس جماعة بدت اشبه "بمنتدى شبابي" يقدم برامج تثقيفيه وفكرية تتسق وتوجهات فرقة "الجارودية" المتماهية مع المذهب الاثني عشري .

اطلق على الجماعة الناشئة التي استطاعت استقطاب الكثير من الشباب القبلي المحدود التعليم اسم "تنظيم الشباب المؤمن"، الذي سرعان ما وسع دائرة انتشاره وانشطته الفكرية لتشمل العديد من المديريات المتاخمة لمديرية "حيدان"، مسقط رأس حسين الحوثي مؤسس التنظيم،وهو ما أسهم في تحول التنظيم الناشئ إلى ورقة رابحة ومؤثرة استخدمها نظام الرئيس علي عبدالله صالح للحد من نفوذ حزب التجمع اليمني للاصلاح، الممثل لحركة الأخوان المسلمين في اليمن، عبر تقديمه دعماً مباشراً وغير معلن لقيادة التنظيم تمثل في اعتماد مخصص مالي شهري من مؤسسة الرئاسة يصل إلى 400 ألف ريال يمني أي ما يعادل ألفي دولار، لتشهد صعدة بداية تصعيد غير مسبوق لصراع ذي طابع مذهبي، سرعان ما تطور إلى صراع مسلح دفع ثمنه باهظاً السكان المحليون البسطاء، الذين تعرضوا لعمليات استقطاب متصاعدة من قبل طرفي الصراع .

تحول العديد من السكان إلى مجرد وقود لحرب مستعرة أذكى جذوتها المشتعلة دخول الجيش اليمني كطرف في الصراع عقب انهيار التحالف غير المعلن بين النظام السابق وتنظيم الشباب المؤمن، الذي لم يدم سوى ست سنوات تخللها تحول دراماتيكي لافت طرأ على الأخير ليبرز كقوة صاعدة تمتلك مقومات النفوذ والحضور المؤثر الذي تجاوز في نهاية العام 2003 حدود مديرية حيدان والمناطق المتاخمة بصعدة إلى أروقة ومحيط الجامع الكبير بصنعاء، ليثير ترديد مجاميع من المصلين عقب صلاة الجمعة لشعار "الصرخة" الذي ابتكره مؤسس التنظيم حسين الحوثي، ويتضمن عبارات مناهضة للولايات المتحدة و"إسرائيل"، توجسات النظام السابق من تداعيات اتساع نطاق انتشار التوجه الفكري والمذهبي للتنظيم خارج حدود صعدة، ليحسم قراره باللجوء إلى خيار "التطويق الأمني المبكر" لهذا الانتشار، من خلال تدشين حملة اعتقالات واسعة طالت العديد من أنصار التنظيم والموالين له، توجت بالاعلان عن تفكيك "خلية نائمة" تابعة لتنظيم الشباب المؤمن بصنعاء القديمة واعتقال أبرز أعضائها .

شرارة الصراع

في 18 يوليو/تموز 2004 شهدت منطقة "مران" شرق صعدة المتاخمة لمسقط رأس حسين الحوثي اندلاع شرارة حرب صعدة الأولى بين القوات الحكومية ومجاميع مسلحة من اعضاء تنظيم الشباب المؤمن، على خلفية اتهامات وجهتها السلطات الأمنية المحلية بصعدة للأخير بشن هجوم مباغت على مقر مديرية أمن منطقة "حيدان"، ليمثل هذا التاريخ بداية الظهور الحقيقي لمقاتلي التنظيم تحت مسمى "جماعة الحوثي" انتساباً لزعيم الجماعة الذي دشن الانفراد بإدارة التنظيم في وقت سابق وتحديدا في العام 2000 قبيل أن يُقتل في العاشر من سبتمبر/أيلول ،2004 عقب مواجهات مسلحة محدودة تمكنت خلالها القوات الحكومية من محاصرته مع عدد من أتباعه في أحد المواقع الجبلية بمنطقة مران ليتم نقل جثمانه بشكل غير معلن إلى العاصمة صنعاء ومواراته الثرى في منطقة ظلت مجهولة لسنوات، وهو ما أثار شكوكاً في أوساط جماعة الحوثي حول حقيقة مصرعه استمرت تسعة اعوام، قبل أن تتبدد هذه الشكوك في العام 2013 عقب تسليم الرئاسة اليمنية رفاته إلى شقيقه الأصغر عبدالملك الحوثي الذي خلفه في قيادة الجماعة، حيث بادر الأخير إلى تشييد ضريح لافت للشقيق المؤسس بمسقط رأسه بمديرية حيدان بصعدة ونقل رفاته اليه في مراسم صاخبة وحاشدة حضرها ممثلون عن إيران وحزب الله اللبناني .

تاريخ لازج من الحروب والدماء

خلال الفترة (مارس/آذار 2005 أغسطس/آب 2009) خاض الحوثيون ست حروب متعاقبة في مواجهة القوات الحكومية، وبالرغم من الاسباب المتفاوتة لجولات الاحتراب المتتابعة التي اسفرت عن مقتل عشرين الف جندي واصابة عشرة آلاف اخرين باعاقات متفاوتة، ومصرع ما يزيد على ثلاثين ألفاً من المدنيين وتشريد نحو نصف مليون من سكان صعدة البسطاء، إلا أن دوائر العنف المتعاقبة رغم ضراوتها لم تتسبب في إضعاف جماعة الحوثي أو الحد من قدراتها على استقطاب المقاتلين وكبح نزعتها التوسعية بقدر ما أسهمت في تعزيز إمكانات الجماعة التسليحية وحضورها المهيمن الذي تجاوز حدود صعدة إلى محافظات مجاورة، ويمكن إرجاع ذلك إلى استغلال الجماعة للصراع غير المعلن بين قطبي المعادلة العسكرية في مؤسسة الجيش آنذاك المتمثلين في الفرقة الأولى مدرع بقيادة اللواء علي محسن الأحمر والحرس الجمهوري بقيادة النجل الأكبر للرئيس السابق العميد أحمد علي عبدالله صالح، في تعزيز قدراتها التسليحية وتحقيق مكاسب على الأرض من خلال خلق مناطق نفوذ جديدة وتكريس رغبة كل طرف في إضعاف الآخر عبر استنزاف إمكاناته البشرية والتسليحية في جولات الحروب المتعاقبة مع الحوثيين، وهو ما أتاح للأخيرين استثمار تداعيات هذا الصراع بالحصول على مصادر إمداد استثنائية بالعتاد والسلاح وفرها لهم كلا الطرفين المتصارعين .

واعتبرت مصادر عسكرية مسؤولة شاركت في حروب صعدة الست في تصريح ل"الخليج" أن حروب صعدة الست كشفت عن فداحة التداعيات الناجمة عن الانقسام المزمن في صفوف الجيش، مشيرة إلى أن جولات المواجهات المسلحة ضد الحوثيين كرست في اغلبها لتصفية حسابات بين مراكز قوى نافذة في المؤسسة العسكرية وتحديدا بين الرئيس السابق صالح وقائد الفرقة الأولى مدرع اللواء الأحمر لتحقيق أهداف من أبرزها إزالة عقبات كانت تعترض مشروع "التوريث للحكم" .

وأكدت المصادر أن لعبة تصفية الحسابات بين طرفي الصراع الطارئ في المؤسسة العسكرية وصلت إلى حد لجوء كل طرف إلى تسريب شحنات اسلحة من مخازن الجيش للحوثيين واتاحة سيطرتهم على مواقع عسكرية والتمدد إلى مديريات جديدة داخل صعدة والتوسع إلى محافظات مجاورة، معتبرة أن "صمود جماعة الحوثي في جولات الحروب الست المتعاقبة لم يكن بسبب بسالة مقاتليها أو التكتيك الحربي الذي اعتمدوه في المواجهات ضد القوات الحكومية، ولكن لاعتبارات تتعلق بانقسام الجيش وتغليب المصالح الضيقة وتصفية الحسابات الشخصية والسياسية على الهدف المفترض المتمثل في تحقيق الحسم العسكري" .

تهجير طائفي

بدأت جماعة الحوثي في العام 2011 بفتح جبهات صراع متعددة ومتزامنة أحيطت باتهامات بالجنوح صوب استغلال الظروف الاستثنائية المأزومة التي تمر بها البلاد منذ مطلع فبراير/شباط 2011 لتحقيق مكاسب على الارض عبر توسيع مناطق النفوذ، وفرض السيطرة المسلحة على محافظات حدودية مجاورة لصعدة كالجوف وحجه،وتعزيز حضورها المسلح في عمران المتاخمة للعاصمة صنعاء،قبيل أن يمثل اجتياح الحوثيين مديرية "دماج" في 15 يناير/كانون الثاني 2014 والتي يقطنها ما يقدر ب 12 ألفاً، أغلبيتهم من أتباع التيار السلفي، بداية تصعيد هو الأخطر من نوعه كونه ارتكز على دوافع استهداف ذي طابع طائفي ومذهبي وخلص إلى تسوية تراجيدية قاتمة حولت سكان المديرية البسطاء إلى نازحين جدد، بعد أن تخلت الحكومة المركزية عن التزاماتها المفترضة في حمايتهم وغضت الطرف عن عملية تهجير إجباري هي الأولى من نوعها في تاريخ اليمن المعاصر الذي تتعرض له طائفة دينية، تماماً، كما لم تبد الكثير من الاكتراث لخريطة الدمار والخراب المروع الذي خلفته هجمات الحوثيين على المديرية والتي تسببت في تحويل الكثير من المعالم التاريخية التي تكتنزها "دماج" إلى مجرد أكوام من الأنقاض .

الحوثيون وثورة فبراير

عادت جماعة الحوثيين لتتصدر واجهة الأحداث والجدل الدائر في اليمن عقب ظهورها كأحد مكونات الثورة الشبابية والشعبية التي اندلعت في فبراير/شباط 2011 ضد نظام الرئيس السابق، حيث مثلت مشاركتها كأحد مكونات الثورة، أول تدخل مؤثر لها في الشأن العام، وفرصة سانحة استغلتها الجماعة لإعادة تقديم نفسها بشكل مغاير عن التوصيف التقليدي الذي طالما ارتبطت به كميليشيا مسلحة موسومة بالتمرد على الدولة . كما اتاحت مشاركة الحوثيين كأحد مكونات الثورة الشبابية والشعبية مناسبة لها للتمدد كتيار فكري خارج حدود مديريات صعدة، والاقتراب بشكل استثنائي وودي من بعض المجتمعات المحلية الأكثر تشدداً في مناهضة فكرة حمل السلاح ضد الدولة كتعز والحديدة والعاصمة صنعاء، عبر الانخراط في ساحات الاعتصام الثورية كمكون شبابي حمل اسم "حركة الصمود" .

واعتبر عبدالرحمن أحمد عثمان القاضي أحد الناشطين البارزين في ساحة الحرية بتعز في تصريح ل"الخليج" أن الحوثيين حرصوا على استغلال الثورة الشبابية والشعبية التي اندلعت 2011 ضد النظام السابق في المحافظات كافة، ليس إيماناً بأهداف هذه الثورة أو تطلعاً إلى الاسهام الفاعل في تحقيق التغيير السياسي المنشود، ولكن لرسم انطباعات مغايرة لدى الرأي العام بأن الجماعة مكون مجتمعي وشعبي يستشعر هموم الناس وتطلعاتهم في احداث تحول سياسي يضع اليمن على عتبة مستقبل أفضل، وأن أدبيات الجماعة وتوجهاتها تتسق مع تأسيس وبناء دولة المؤسسات التي ترتكز على قيم المواطنة المتساوية وحرية التعبير والعدالة الاجتماعية .

المشاركة في الحوار الوطني

استهلت جماعة الحوثي بدءا من منتصف العام 2012 حضوراً مغايراً وغير مسبوق على واجهة المشهد السياسي اليمني، حيث بدأت في الترويج لنفسها كمكون سياسي تحت مسمى "أنصار الله"، قبيل أن يتم ادراجها كأحد مكونات مؤتمر الحوار الوطني بقوام تمثيل لافت بلغ 42 عضواً، وهو العدد ذاته الذي خصص لتمثيل اعرق المكونات السياسية اليمنية المتمثل في الحزب الاشتراكي اليمني، لتبرز الجماعة ككيان يمتلك مقومات واعدة لممارسة العمل السياسي والتحول لحزب سياسي، لكن هذه الانطباعات الإيجابية التي عززها إنشاء جماعة الحوثي لمجلس سياسي تابع لها مكون من عدد من القيادات التي يتسم العديد منها بالاعتدال، سرعان ما تبدد في مواجهة معطيات واقع على الارض ظهرت من خلاله الجماعة مجددا كميليشيا مسلحة تستخدم السلاح لتحقيق أهداف توسعية وتمارس القمع المسلح ضد خصومها بشكل يتقاطع كلياً مع أدبيات الخطاب السياسي والإعلامي الصادر عن اطرها القيادية .

ثقافة "الميليشيا" والسياسة

بالرغم من استحداثها لمجلس سياسي يتكون من عدد واسع من الأعضاء، الممثلين للعديد من المحافظات، وامتلاكها النوعي والمتفرد مقارنة ببقية المكونات السياسية اليمنية، لمجموعة من الوسائل الإعلامية المتمثلة في مكتب إعلامي وقناة فضائية وخمس صحف يومية واسبوعية ومحطتين إذاعيتين "إف ام"، إلا أن جماعة الحوثي لاتزال مشدودة لتعقيدات فرضتها طبيعة التكوين الداخلي للجماعة وآليات صنع القرار السياسي أو العسكري السائدة لديها، الامر الذي حال دون امتلاكها مقومات الظهور كمكون سياسي يمارس العمل السياسي بأدواته المدنية بعيداً عن عقلية "الميليشيا" وثقافة "السلاح" .

اعتبر رئيس المجلس السياسي لأنصار الله (الحوثيين) صالح هبرة في تصريح ل"الخليج" أن خيار تحول جماعة الحوثي إلى حزب سياسي لا يزال قيد الدراسة من قبل الجماعة التي يمكن أن تكون جزءاً من تيار وطني يخرج إلى العلن كحزب يمثل كل رافضي الوصاية الأجنبية على اليمن ويعمل من أجل بناء يمن جديد يسع كل ابنائه بمختلف مشاربهم" .

من جهته، أكد علي البخيتي عضو المجلس السياسي لجماعة الحوثي، الذي استقال مؤخراً احتجاجاً على الإجراءات الانفرادية التي اتخذتها الجماعة بعد سيطرتها على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول ،2014 أن صناعة القرار داخل الجماعة لا تزال حكراً على شخص زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي الذي ينفرد بتحديد قرارات ومواقف الجماعة من مختلف التطورات والقضايا .

خيارات الحوثيين والبديل الإيراني

توج الحوثيون في 19 يناير/كانون الثاني 2015 تمردهم المسلح الذي بدأ فعليا في 18 يوليو/تموز 2004 بتنفيذ انقلاب قسري على الشرعية الدستورية القائمة في اليمن بموجب المبادرة الخليجية، عبر حل المؤسسات الدستورية بإصدار إعلان دستوري في 6 فبراير/شباط 2015 من القصر الجمهوري بصنعاء وإحكام سيطرتهم على العاصمة صنعاء والمؤسسات الحكومية وإخضاع رئيسي الجمهورية والحكومة ومعظم الوزراء للإقامة الجبرية في منازلهم بعد تقديم استقالاتهم، وهو ما تسبب في تصعيد حدة الأزمة السياسية والأوضاع الأمنية، ما اضطر معظم البعثات الدبلوماسية العربية والأجنبية إلى مغادرة البلاد وإغلاق مقرات السفارات بالعاصمة، قبيل استئناف العديد منها انشطتها في وقت لاحق من عدن عقب انتقال الرئيس عبدربه منصور هادي إليها إثر تمكنه من مغادرة العاصمة خلسة وبشكل غير معلن، الأمر الذي فرض حالة من العزلة السياسية المتصاعدة على سلطة الأمر الواقع الطارئة التي لجأت إلى فرض خيارات ذات طابع "فنتازي" تفتقد للحد الأدنى من الموضوعية، من قبيل تقديم الجمهورية الإسلامية الإيرانية كبديل تمويلي للاحتياجات التنموية والاقتصادية اليمنية، عوضاً عن دول مجلس التعاون التي تتصدر قائمة الدول المانحة لليمن والتي قررت وقف مساعداتها وتعليق تنفيذ المشاريع الممولة من قبلها في البلاد .

اعتبر رئيس مركز بحوث التنمية الاقتصادية والاجتماعية بصنعاء مرزوق عبدالودود في تصريح ل"الخليج" أن تقديم الحوثيين إيران كبديل لدول مجلس التعاون في تمويل المشاريع التنموية ومساعدة اليمن على تحسين الأوضاع الاقتصادية المتردية، عكس إلى حد كبير حالة من الانغلاق السياسي لدى الأطر القيادية للجماعة، والقصور في استيعاب فداحة التداعيات التي ستترتب على حصر علاقات اليمن الإقليمية والدولية في مجرد الحصول على مساعدات تمويلية محتملة من دولة سيئة السمعة مصنفة دولياً "راعية للإرهاب" كإيران تعيش في أوضاع اقتصادية متذبذبة وتعاني هيمنة سلطة دينية متشددة .

أشار رئيس مركز بحوث التنمية الاقتصادية والاجتماعية بصنعاء إلى أن إيران لا تمتلك مقومات البديل الموضوعي للدول المانحة الرئيسية للبلاد ممثلة في دول مجلس التعاون، والذي يمكن التعويل عليه في مساعدة اليمن على التخفيف من حدة التفاقم المطرد للأوضاع الاقتصادية الراهنة، لاعتبارات تتعلق بكون هذا البديل يسعى فقط من خلال تدخلاته القسرية في اليمن إلى استغلال المتغيرات الطارئة في المشهد السياسي اليمني وموازين القوى في البلاد عقب انقلاب الحوثيين لتحقيق مكاسب ذاتيه لا علاقة لها إطلاقاً بمصالح الشعب اليمني أو تلبية احتياجاته التنموية .

سقوط عمران . . بداية انهيار الدولة

في 2 فبراير/شباط 2014 سيطر مقاتلو جماعة الحوثي بدعم لوجستي فاعل من وجاهات ومراكز قوى قبلية موالية للرئيس السابق صالح على مديرية "الخمري"، معقل زعيم قبيلة حاشد كبرى القبائل اليمنية الشيخ صادق الأحمر في محافظة عمران، شمالي اليمن، بعد معارك عنيفة ومتعددة مع ائتلاف قبلي محدود موال للأخير تمكن خلالها الحوثيون من بسط سيطرتهم المطلقة على منطقة "العصيمات" مسقط رأس زعيم قبيلة حاشد، الأمر الذي فرض تغيراً دراماتيكياً لافتاً في موازين القوى القبلية السائدة منذ ما يزيد على ثلاثة عقود، قبيل أن يخوض الحوثيون مواجهات مسلحة ومتعاقبة مع قبائل أخرى موالية لحزب التجمع اليمني للإصلاح في عدد من مديريات محافظة عمران، التي كانت تمثل مناطق نفوذ مغلقة على الأخير، ليخلص مشهد العنف الطارئ إلى فرض سيطرة الحوثيين على المديريات كافة التي تمثل المحيط الجغرافي لعاصمة المحافظة، تمهيداً لفرض حصار محكم على منافذ الأخيرة استمر نحو خمسة اشهر شهدت خلالها المدينة تصاعدا مروعا لحدة المعارك بين الحوثيين وقوات اللواء "310" مدرع الذي يقوده العميد "حميد القشيبي"، ليتوج مشهد المواجهات المسلحة بسقوط المحافظة التي تعد البوابة الشمالية للعاصمة السياسية للبلاد في التاسع من يوليو/تموز 2014 في قبضة الميليشيا المسلحة التي لم تواجه صعوبة في اقتحام مقر الحامية العسكرية ونهب مختلف أنواع الأسلحة والمعدات الحربية التابعة لها وقتل قائدها والتمثيل بجثمانه في نهاية مأساوية اختزلت مشهد انكسار الجيش وسقوط رمزية الدولة ومهدت الطريق لقوات الميليشيا المسلحة للدخول القسري إلى العاصمة صنعاء وتنفيذ انقلاب مسلح على الشرعية الدستورية وتقويض العملية السياسية اليمنية القائمة بموجب المبادرة الخليجية، التي حالت المتغيرات الطارئة في المشهد السياسي والأمني في البلاد من دون استكمال تنفيذ المرحلة الثالثة والأخيرة من استحقاقاتها .

السيطرة على العاصمة والتمدد شمالاً

في 21 سبتمبر/أيلول 2014 اجتاحت مجاميع مسلحة ومكثفة من الحوثيين معززة بنحو سبعة آلاف من قوات الحرس الجمهوري (سابقاً) الموالية للرئيس السابق العاصمة صنعاء وتمكنوا من السيطرة على المؤسسات الحكومية كافة والمنشآت الأمنية والعسكرية قبيل أن يدشن مقاتلو الجماعة في 14 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي عمليات توسع وتمدد قسري باستخدام السلاح والدعم اللوجستي المقدم من مراكز القوى القبلية الموالية للرئيس السابق والمناصرة للتوجه الإيديولوجي للجماعة شملت معظم المحافظات الشمالية، لتبرر جماعة الحوثي إقدامها على افتعال مثل هذا التصعيد المسلح الهادف إلى إسقاط المحافظات والسيطرة عليها، بكونه إجراء اضطرارياً للحيلولة دون توسع مسلحي تنظيم القاعدة ومنع سيطرتهم على مناطق نفوذ جديدة في شمال البلاد، لتشهد المحافظات كافة التي تمدد إليها الحوثيون معارك وصدامات مسلحة لاتزال العديد منها مستمرة مع مقاتلي القاعدة الذين سارعوا إلى استغلال هذا التمدد في إبرام تحالفات مع بعض القبائل في محافظات كالبيضاء والجوف ومأرب، وتصعيد مفردات خطاب سياسي وإعلامي مضاد، قدم التنظيم نفسه من خلاله كجزء من جبهة مقاومة "سنية" في مواجهة ما دأب على توصيفه ب"المد الفارسي الصفوي" المستهدف تجمعات الاغلبية السنية في اليمن .

الأكثر قراءة

اتبعنا على فيسبوك

اتبعنا على تويتر