صورة ارشيفية لنهر الامازون
مُنذ ملايين السّنين، قامت الأنهار التي تتدفّق نحو الغرب من خلال ما هو الآن شمال البرازيل بعكس مسارها واتّجهت شرقًا إلى المُحيط الأطلسيّ وهكذا وُلد نهر الأمازون، وهو ثاني أطول نهرٍ في العالم بعد نهر النّيل، وأهمّ نهرٍ في أمريكا الجنوبيّة، يبلغ طوله حوالي 6.437كم ويحتوي على كمّيّةٍ وفيرةٍ من المياه تضاهي كمّيّة المياه في المسيسبّي والنّيل ويانجستي مجتمعة.
يضمّ بعض المواقع العريضة إلى درجةِ أنّه يتعذّر على الإنسان الواقف على إحدى ضفّتيه أن يرى الضّفّة الأخرى، حيث يتراوح عرض النّهر من 2.5 إلى 10 كيلو مترات ليصلَ إلى 150 كم عند مصبّه تقريبًا، أمّا متوسّط عمق الأمازون فيبلغ حوالي 10 أمتار ويصل إلى أكثر من 90 مترًا في بعض الأماكن.
يبدأ مجرى نهر الأمازون من أعالي جبال الإنديز في جمهوريّة بيرو جدوَلًا صغيرًا يُدعى نهر أبوريماك، الّذي يَصبّ في الشّمال الغربيّ من نهر أوكايالي، وهو الفرع الأدنى من نهر الأمازون في بيرو. يجري نهر أوكايالي شمالًا عبر الأنديز ثم ينعطف شرقًا وينضمّ إلى نهر مارانون، وهو الفرع الأعلى لنهر الأمازون. يحدث هذا الاتّصال في مكانٍ قريبٍ من إكويتوس في بيرو فيُشكّل القناة الرّئيسيّة للأمازون ليستمرّ النّهر في مساره شرقًا عبر البرازيل ويَصُبّ في المحيط الأطلسيّ على الطّرف الشّمالي من جزيرة ماراجو..
الآن وقد تعرّفنا على نهر الأمازون لنعد إلى موضوعنا…
لماذا حدث هذا التّغيير في الاتجاه؟
يَعتقد العديد من الجيولوجيّين أنّ هذا الحدث كان ناتجًا عن الارتفاع التّدريجيّ في جبال الأنديز الواقعة شرق قارّة أمريكا الجنوبية، هذا الارتفاع الّذي بدأ منذ 65 مليون سنة بسبب تيّارات الحمل في باطن الارض.
تُعتبر حرارة باطن الأرض من أهمّ الأسباب الّتي تؤدّي إلى تكوين تيّارات الحمل في باطن الأرض، لذا فإنّ حدوث التّغيرات في التّدفّق الحراريّ الدّاخليّ للأرض يُسبّب حدوث تيارات الحمل داخل الأرض وينتج عنها صعود الموادّ المصهورة في باطن الأرض واسترجاع بعض التّرسبات الباردة وتحريكها إلى الأسفل نحو باطن الأرض في نفس الوقت، وهذا يعني أنّ ظُهور جبال الأنديز كان لها تأثيرٌ في عكسِ تدفّق الأنهار.
ماذا تقول النّظرية الجديدة؟
الدّراسة الجديدة تدحض هذا الرّأي، بحجّة أنّه مُنذ حوالي 10 مليون سنة، لم يكن نهر الأمازون موجودًا في شكله الحالي، وتقدّم سيناريو مختلفًا تماماً يضم ثلاث خطوات.
الخطوة الأولى في هذا السّيناريو الجديد المُقترح من قبل الجيوفيزيائيّ البرازيليّ فيكتور Sacek من جامعة ساو باولو في البرازيل تبدأ بتشكّل البُحيرات عند سفح جبال الأنديز بسبب التّصدع في الطّبقات الصّخريّة، وبالتّالي تتشكّل مُنخفضاتٌ مُلأت بالماء.
تليها المرحلة الثّانية من السّيناريو وخلالها تتراكم الرّواسب الّتي تُستمدّ من تآكل جبال الأنديز في هذه المنخفضات، لكنّ هذه الرّواسب بطيئةٌ جدًّا مقارنةً بآليّة الحفر.
ثم في المرحلة الأخيرة يستمرّ الحفر، في حين يستمرّ تراكم الرّواسب في المنخفضات، ومن ثمّ ترتفع الأرض أكثر فأكثر.
والنّتيجة أنّه منذ 10 مليون سنة، أصبحت هذه الأراضي عاليةّ بما فيه الكفاية ليحدث تراجعٌ في تدفّق الأنهار .
وقد اعتمدَ Sacek على نموذجٍ حاسوبيٍّ يَتضَمّن التّفاعل بين نُمو جبال الأنديز والضّغط على القشرة الأرضيّة في المنطقة والمناخ، حيث أنّ النّموذج يُحاكي تطوّر التّضاريس في أمريكا الجنوبيّة خلال الـ40 مليون سنة الماضية، أي الفترة الّتي بدأت بعد ولادة وسط جبال الأنديز وقبل ارتفاع الجزء الشّرقيّ من تلك الجبال، وضَمّت نتائجُ المحاكاة الكثيرَ من الأدلّة الموجودة من قبل في السّجل الجيولوجيّ، وقد جَمَعَهَا Sacek في تَقارير على الإنترنت قَبلَ طباعَتهَا.
النّظريّة الجديدة لَقيَت استحسان العديد من الباحثين نظرًا إلى تأييدها للأدلّة الموجودة في السّجلّات الجيولوجيّة، ويتّفق الجميع أيضًا أنّ السيناريو الجديد الذي وضعه الباحث البرازيليّ يمكن أنْ يَكون صَحيحًا إلى دَرَجَة كبيرةٍ نظرًا إلى أنّ التّآكل والتّرسّب عاملان قويّان لا يُستهان بهما في الحركات الجيولوجيّة ولا يُستبعد أنّهما تسبّبا في تغيير اتجاه الأمازون، وليس الأمازون وحده، بل العديد من الأنهار في العالم .
يبقى أنّ البحث العلميّ في كثيرٍ من الظّواهر الجيولوجيّة رغم تقدّمه لم يصل بعد وقد لا يصل أبدًا إلى نتائج أو سيناريوهاتٍ نستطيع أن نقول عنها أنّها صحيحةٌ مئةٌ في المئة، وقد نُفاجأ بعد أشهرٍ أو سنواتٍ بنظريّة أخرى تُفسّر سبب تغيّر اتّجاه جريان الأمازون تكون بعيدةً أو مُناقضةً للنّظرية الّتي تطرّقنا إليها اليوم .