رغم انتشار الفل في العديد من البلدات اليمنية الآن، إلا أن الفل اللحجي له ميزته الخاصة التي جعلته يتميز بها عن الفل التهامي والذماري حتى وصلت شهرته إلى كافة الدول الخليجية، بعد جهود حثيثة من قبل المزارعين لتصديره، وهو من النباتات العطرية الفواحة، ويعد الأمير احمد فضل القمندان هو أول من جلب الفل اللحجي إلى لحج الخضيرة (جنوب اليمن)، وزرعها في بستان الحسيني، بعد أن جلبها من الهند، ومن هناك انتقلت لبقية المناطق اليمنية.
وجذبت حرفة زراعة الفل اللحجي الأيادي العاملة، والتي وجدت فيه مصدراً للرزق، ويعد فصل الصيف هو الفصل الذي يشهد الفل في اليمن انتشارا ورواجا كبيرين، كما أنه يستخدم في الأعراس، إذ تصل قيمة القلادة الواحدة الى قرابة 30 دولاراً، لكن الحرب العدوانية التي شنتها مليشيات الحوثي والمخلوع صالح على الجنوب ألقت بآثارها الاقتصادية والاجتماعية الصعبة على هذا المحصول الذي يقتات من زراعته وتجارته العديد من الأسر اليمنية.
ويقول ماجد القفاز، إن قصة الفل تبدأ فصولها ببذره، وتنتهي بعناق حار مع عنق العروسة، وإحياء الأفراح والمناسبات والليالي الملاح، إلا أن ميلشيات الحوثي والمخلوع صالح، بدلت رائحة الفل برائحة الدم، وتوقفت الأفراح ﻻستبدالها بالحزن والبكاء والألم.
ويضيف القفاز ليس هذا فحسب، بل توقفت أعمال الكثير من عامة الشعب بسبب هذه الحرب وخصوصا بائعي الفل، حيث كان الكثير ممن يبيعونه من ذوي الدخل المحدود في المجتمع، ويعتبر الفل مصدر معيشتهم، ما سبب أضراراً اقتصادية لهم كأفراد، وعلى الدولة كخسارة اقتصادية تقدر بالملايين.
وتشتهر محافظة لحج بزراعة الفل منذ القدم، رغم أنه يزرع في أكثر من محافظة، إلاّ أن لحج تنتجه بكميات أكبر نتيجة لوجود التربة الصالحة، وتوفر المناخ المناسب، ولذلك فهي تنفرد بزراعته عن سائر المحافظات الأخرى.
وقال ارتبط الفل بثقافة اليمنيين رجالاً ونساءً، فُقراءَ وأغنياء وبات ذي رمزية خاصة لديهم، فالفل للجميع هناك، في الطقوس والمناسبات، في الأشعار والأغنيات، وفي كسب الرزق، وما إن يُطل فصل الربيع على اليمن حتى نقول، إن موسم تفتُّح زهر الفل قد حان، وبقدوم الصيف ينتشر بائعو أطواق الفل في كافة مدن اليمن، انتشاراً يختلف من مدينة لأخرى.
وتقول عهد محمد جعسوس، كان الفل ولازال إحدى المميزات الأساسية التي تمتاز بها محافظات الجنوب، ويشهد إقبالاً كبيراً من الجميع، فالنساء تستخدمه زينة في الأعراس، فيما يزين الرجال سياراتهم أحياناً، ويلبسونه أحياناً أخرى.
وتابعت، مشيرة إلى أنه وخلال الحرب ماتت أغلب الأشجار نتيجة القصف والحرب على المواطنين، وتم إهمال هذه الشجرة، لكن الآن تم إعادة زراعتها والاهتمام بها من جديد، ورجع الفل يزين شوارع عدن الجميلة، بالرغم من غلاء سعره في أيام الشتاء.
ويقول ابراهيم علي ناجي، إن الفل اللحجي تأثر كثيراً في الفترة الأخيرة، سواء من حيث البيع والزراعة، وتعرضت اغلب قطاعاته لانتكاسات، وبحسب مزارعين بلحج، إن الحرب أتت على كل شيء، وصار الجميع بين نازح ومهاجر ومحارب ومعتقل، ولم يعد هناك أي توجه، أو اهتمام نحو هذا الطهر والحب والفن الذي اشتهرت به مناطق اليمن ولحج بالذات.
أما سلمى عقربي، فتؤكد أن الفل احد روافد الاقتصاد للأسر اليمنية، فضلاً عن أهميته الاجتماعية، لدرجة كتابة الشعراء لقصائد تتغنى به، كأغنية «بائع الفل» للعطروش، وأغنية «ياورد ياكاذي».
فل القمندان أخذ نصيبه من العدوان
يقول الإعلامي سعدان اليافعي، إن محافظة لحج اشتهرت بفل القمندان، وأصبح من أهم رمزياتها بجانب الثقافة والعلم والفن، الزائر يجد عبق عبيره الزاكي، وهو على مشارف حسينيها الأخضر.
وقال للأسف في الوقت الحالي لم تستشعر بأنك في لحج، ولم تستشعر ذلك العبق الفواح، ولاتجد من يستقبلك بتلك العقود الجميلة، إنه العدوان الذي طال تلك المحافظة الجميلة، وأعدم فيها الماء وخرب فيها المساقي، ناهيك عن منازل ساكنيها، لقد فني الفل، وذهبت معه بهجة لحج وعبق نسيمها الفواح، لقد قتل الغزو كل جميل في لحج، وحرم عشاقها الكثر من جمالياتها.