تُعدّ مفاهيم الانفصال، وفكّ الارتباط، واستعادة الدولة من أكثر المفاهيم تداولًا في القانون الدولي المعاصر، يؤدي استخدام المصطلحات السياسية دون تدقيق قانوني إلى تشويه طبيعة القضايا الوطنية أمام الرأي العام والمجتمع الدولي. وفي حالة الجنوب، يبرز خلاف جوهري حول توصيف ما يجري: هل هو انفصال؟ أم فكّ ارتباط؟ أم استعادة دولة؟
ومن منظور القانون الدولي، فإن هذا التوصيف يترتب عليه فهم مختلف للشرعية والحقوق السياسية ….فالانفصال (Separation / Secession) هو خروج جزء من إقليم دولة قائمة لتكوين دولة جديدة مستقلة، يتم من إقليم تابع لدولة معترف بها و يؤدي إلى إنشاء دولة جديدة .القانون الدولي لا يشجّعه لكنه قد يوافق عليه إذا تأكد اضطهاد جسيم أو تم عبر استفتاء حر .و في هذا الصدد هناك نموذج واضح و هو انفصال جنوب السودان (2011) الذي كان جزءًا من السودان و جرى استفتاء بإشراف دولي نتجت عنه دولة جديدة مستقلة
بيد أن فكّ الارتباط (Disengagement / Dissolution of Union) فهو إنهاء رابطة قانونية أو سياسية قائمة بين طرفين كانا متحدين باتفاق سابق ، يتم عبر إجراء قانوني أو سياسي يكون بين دولتين متحدتين ؛ أو ضمن صيغة خاصة (اتحاد، وصاية، إدارة مشتركة)
الخلاصة أن فك الارتباط يؤدي إلى إنهاء علاقة قائمة ، في حين ينتج عن الانفصال اقتطاع إقليم من دولة ..نموذج فك الارتباط الحاصل بين التشيك وسلوفاكيا (1993) كانتا دولة واحدة (تشيكوسلوفاكيا) تم الانفصال باتفاق سلمي
استعادة الدولة (Restoration of Statehood) تعني عودة دولة كانت موجودة قانونيًا ثم فقدت سيادتها بسبب فشل الوحدة او احتلال أو ضم غير مشروع. من وجهة نظر القانون الدولي أن الدولة لم تفقد شخصيتها القانونية ، و ما فُقد هو ممارسة السيادة فقط
كما أن فرض الوحدة بقوة الاحتلال لا يُنهي وجود الدولة قانونيًا و هذا يتجلى في نموذج استعادة دول البلطيق (إستونيا، لاتفيا، ليتوانيا)كانت دولًا مستقلة ضُمّت للاتحاد السوفيتي ، استعادتها اعتُبرت عودة للسيادة وليس انفصالًا.
أما فكّ الارتباط فهو مصطلح سياسي يُستخدم لوصف إنهاء وحدة سياسية قامت سابقًا باتفاق أو إجراء قانوني. ولا يُعدّ مفهومًا محددًا بذاته في القانون الدولي، بل يُقيَّم وفق ظروف كل حالة، ومدى مشروعية الوحدة الأصلية، والوسائل المستخدمة لإنهائها، في المقابل يستند مفهوم استعادة الدولة، إلى أن الجنوب كان دولة مستقلة ذات سيادة وعضوية في الأمم المتحدة، وأن غياب الـ شراكة الحقيقية، وفرض الأمر الواقع بالقوة بعد حرب 1994، أدى إلى تهميش الجنوب وإقصاء كوادره واستهداف قياداته، ما أفقد الوحدة مضمونها و تحولت إلى سببٍ للصراع ، وبناءً على ذلك، فإن المطالبة لا تهدف إلى إنشاء كيان جديد، بل إلى إحياء دولة سابقة ذات شخصية قانونية دولية.
يجد هذا الطرح سندًا في مفهوم معروف في القانون الدولي و هو استمرارية الدولة (State Continuity) و حق الشعوب في تقرير المصير كما ورد في ميثاق الأمم المتحدة والعهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية.
هناك عدة دول كانت قائمة بذاتها، ثم دخلت في وحدة مع دولة أخرى، وبعد فشل تلك الوحدة استعادت استقلالها.
فيما يلي أشهر وأوضح الأمثلة تاريخيًا: سوريا كانت دولة مستقلة دخلت في وحدة مع مصر باسم الجمهورية العربية المتحدة. فشلت الوحدة، وانفصلت سوريا واستعادت دولتها.
• السنغال كنت دولة مستقلة دخلت افي اتحاد مع مالي باسم اتحاد مالي.فشل الاتحاد، العام 1960 السنغال واستعادت استقلالها.
• غامبيا كانت دولة مستقلة.دخلت اتحادًا مع السنغال باسم كونفدرالية سينيغامبيا بعد فشل الكونفدرالية عادت دولة مستقلة بالكامل.
• دول البلطيق (إستونيا، لاتفيا، ليتوانيا) التي اعتُبر استقلالها في التسعينيات استعادة لدول قائمة قبل ضمها القسري للاتحاد السوفيتي.
.
تُظهر هذه الأمثلة أن المجتمع الدولي قد يتعامل بإيجابية مع قضايا استعادة الدولة عندما تتوافر عناصر أساسية، أبرزها: وجود دولة سابقة معترف بها، وإرادة شعبية واضحة، وسلطة قادرة على إدارة الدولة واحترام التزامات القانون الدولي.
إن توصيف قضية الجنوب على أنها استعادة دولة يعكس رؤية سياسية وقانونية تسعى إلى وضع القضية في إطارها التاريخي والشرعي، بعيدًا عن توصيفات الانفصال أو التفكك. وهو طرح يستند إلى مبادئ معترف بها في القانون الدولي، ويهدف إلى إعادة تعريف القضية بوصفها مسألة حقوق وسيادة، لا مجرد نزاع جغرافي أو إداري.
من صفحة الكاتب في الفيسبوك