إعداد - سليم ضيف الله :
وصف رئيس وكالة مكافحة المخدرات الأمريكية السابق مايكل براون، الذي عمل قبل مشرفاً على العمليات الخارجية للوكالة نفسها، في شهادته أمام لجنة الشؤون المالية التابعة لمجلس النواب الأمريكي تحت عنوان: "العدو في حديقتنا الخلفية: ملاحقة تمويل الإرهاب في أمريكا الجنوبية" حزب الله اللبناني "بالسرطان الحقيقي الذي تحول إلى عنقاء تقوم على شبكة تطوق كامل القارة وخارجها، وتعتبر اليوم النموذج المثالي الذي تسعى إلى استنساخه حركات إرهابية مماثلة، وفي طليعتها القاعدة وداعش". وقال براون إن حزب الله متورط في التجارة في عشرات الأطنان من مادة الكوكايين المخدرة، بين أمريكا الجنوبية وأوروبا، بالاعتماد على واحدة من "أشد آليات غسيل وتبييض الأموال تعقيداً وتطوراً في العالم".
علاقات
وأكد المسؤول السابق رئيس مكتب الدارسات الأمنية والاستراتيجية الحالي اس جي ايه غلوبل، أن الحزب أقام علاقات تجارية وشبكات واسعة مع كارتيلات المخدرات في أمريكا الجنوبية مثل مجموعة أوفيسينا دي انفيغادو الكولومبية الشرسة والمتخصصة في تهريب كميات ضخمة إلى الولايات المتحدة وأوروبا.
وقال المسؤول السابق عن العمليات الخارجية في وكالة مُكافحة المخدرات إن "حزب الله نجح بفضل هذه العلاقات والآليات في تحقيق نجاح مالي كبير في السنوات الخمس عشرة الماضية، وتفوقت فيها عائدات تجارة المخدرات على كل الدعم الإيراني المباشر وغير المباشر للحزب، خاصة في ظل تساهل بعض المؤسسات المالية في لبنان والخارج مع الحزب".
وفي هذا السياق قال المسؤول الأمريكي السابق إن "ملاحقة الحزب وأنشطته في أمريكا الجنوبية، أفضت إلى إغلاق البنك اللبناني الكندي بموجب الحجج التي قدمتها وكالة مكافحة المخدرات والأدلة التي أكدت تورط البنك في غسيل وتبييض 200 مليون دولار شهرياً لفائدة الحزب".
وأوضح الخبير الأمريكي، أن حزب الله وبعض الفصائل الإيرانية مثل قوة القدس التابعة للحرس الثوري، نجحا في الاستقلال والهيمنة على بعض المسالك المهمة في تجارة المخدرات في المناطق الأندية، المحيطة بجبال الأنديز، من البيرو إلى الآرجنتين ونصف القارة تقريباً وصولاً إلى الكارييبي.
احتكار
ويُضيف المحلل والخبير الأمريكي: "قبل سنوات لا تتجاوز 15 عاماً لم يكن الحزب يُغامر بتهريب كميات كبيرة، كان يكتفي بـ10 أو 15 كيلوغراماً في اتجاه الشرق الأوسط انطلاقاً من المثلث الحدودي أو المنطقة الحرة على حدود البرازيل والأرجنتين وأوروغواي، أما اليوم فالحزب يتعامل بمئات الأطنان من المخدرات التي يحتكرها في منطقة الأنديز، لتجد طريقها إلى فنزويلا، ومنها تنطلق السفن لإغراق السوق الأوروبية انطلاقاً من غرب ومن شمال أفريقيا".
عملية تيتان
وأشار الخبير الأمريكي إلى عملية تيتان التي نفذتها وكالة مكافحة المخدرات الأمريكية في فبراير(شباط) الماضي بالتعاون مع الأجهزة الأوروبية المتخصصة، كشفت حجم وتشعب علاقات حزب الله وآليات التهريب ومسار الشحن، حجم الكميات المهربة.
وأوضح المسؤول الأمريكي السابق أن التركيز على حزب الله، مرده الاكتشافات المذهلة التي توصلت إليها الأجهزة الأمريكية والدولية المعنية بمكافحة هذا الحزب وتمويله وتجارته غير الشرعية، والتي جاءت بعد سنوات من اعتماد خطة دولية لهذا الهدف منذ 2007 تحديداً.
ويُضيف براون أن سقوط اللبناني الكولومبي أيمن جمعة في 2011، كان المنعرج الحاسم على طريق بداية تفكيك شبكات حزب الله المتشعبة والمعقدة، بداية بالبنك الكندي اللبناني، ثم بنك غامبيا الأول، في غرب أفريقيا.
25 دولة
ويُضيف الخبير أن حجم واتساع تورط الحزب في تهريب المخدرات الذي كشفته العمليات الكثيرة التي استهدفته كانت القاعدة التي استند عليها القانون الأمريكي الجديد الصادر في 2015، تحت عنوان مكافحة تمويل حزب الله والهيئات والمؤسسات المرتبطة به والأشخاص المستفيدين منه أو العاملين معه، والتي لا تشمل لبنان وحده أو الشرق الأوسط وحده، ولكن 25 دولةً على الأقل في القارات الأربع، وهو ما ساهم في مزيد التضييق على الحزب، مثل الإجراء الأخير القاضي بوضع بنك جديد تبين تعامله أو خضوعه للحزب في قبرص.
وقال الخبير الأمريكي إن منهجية الحزب تقوم في السنوات الأخيرة على "جمعيات" حقيقية تعمل تحت إمرته في المنطقة الأنديزية، تحتكر شراء المخدرات، ثم تُصدر إلى أوروبا من فنزويلا أساساً، مروراً بغرب أفريقياً وشمالها، وفي المناطق الثلاث جميعاً يعتمد الحزب على قوته المالية لشراء صمت وتورط ضباط كبار في فنزويلا، وشيوخ قبائل الطوراق والسياسيين في الصحراء الكبرى في أفريقيا، وصولاً إلى أوروبا، ليبيع الكيلوغرام الواحد من مخدر الكوكايين بـ 200 ألف دولار، بعد شرائه بـ40 ألف فقط في أدغال أمريكا الجنوبية.
أموال ضخمة
ولتبييض هذه الأموال الضخمة التي يغنمها الحزب، وضع حزب الله آلية تتمثل في شراء سيارات مستعملة من الولايات المتحدة وتصديرها إلى غرب أفريقيا، ثم تبييض أرباح المخدرات في مسالك تجارة السيارات، التي تخضع جميعها لتجار ووسطاء لبنانيين موالين للحزب بما في ذلك في الولايات المتحدة.
ويُشير الخبير اعتماداً على أرقام المصادرات التي أجرتها الوكالة أو السلطات الأفريقية في بعض الحالات إلى أن الحزب نقل من توغو إلى غانا المجاورة، 180 مليون دولار في أربعة أشهر فقط، تمثل أرباح تجارة السيارات المذكورة، قبل أن تعود أرباحها عبر شبكات الحزب إلى لبنان مباشرة.
فتاوى وطريقة دفع
ويُضيف الخبير الأمريكي أن المخدرات عند حزب الله أكثر من مخدرات "فمنذ بداية الحزب صدرت فتاوى عن بعض القياديين الدينيين فيه، تُبيح تجارة المخدرات وبيعها للغرب الكافر، ولكن المخدرات كانت في بعض الأوقات أيضاً وسيلة دفع نقدي، مثلما كان الأمر أثناء الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان مثلاً من تجنيد الجواسيس في المناطق المحتلة، ومصادره من داخل الجيش الإسرائيلي، أو رشوة العسكريين الآخرين الذين كان يتعامل معهم الحزب".