استوحيت عنوان هذا المقال من فقرة وردت في كلمة الرئيس هادي عند استلامه نسخة من المسودة الأولي لمشروع الدستور الاتحادي لليمن في يوم الأربعاء الماضي ?/ يناير حيث قال في كلمته " ان النظام الاتحادي هو في نهاية المطاف شكل من أشكال الدولة وهو لوحده لا يحكم على نجاح أو فشل التجربة اليمنية المستقبلية ، بل عامل النجاح الأول هو المضمون الذي سنعطيه نحن اليمنيين لهذه الدولة ، مضمون العدالة الاجتماعية، والمواطنة المتساوية ، واحترام القانون ...." في التسويق الإعلامي لمشروع الدولة الفيدرالية يشار عادة إلى ان نحو أكثر من ??? من سكان العالم في ??دولة اختاروا الصيغة الفيدرالية لدولهم ويكفي الإشارة في هذا الصدد ان من بين ??دولة الأكثر كثافة سكانية في العالم ??دولة منها ذات نظام فيدرالي وهذا فعلا مثيرا للدهشة . لكنه في الوقت نفسه تجدر الملاحظة ان دولة فيدرالية مثل الهند الذي يتجاوز عدد سكانها المليار نسمة لا تبعد عنها كثيراً دولة فيدرالية أخرى وهي جمهورية جزر القمر الاتحادية التي لا يتجاوز عدد سكانها نحو ألف نسمة وعلي مستوي الاتحاد الأوروبي فقط ?دول ذات نظام فيدرالي ( ألمانيا الاتحادية ، والنمسا ، وبلجيكا ) من أصل ?? دولة عضوا في الاتحاد الأوروبي !!. تصنف أحيانا حالة اسبانيا بأنها دولة فيدرالية بحكم نظامها الإداري والسياسي الذي يعطي حكما ذاتيا كإقليم كاتالونيا وإقليم الباسك حيث يمتلك كل منهما برلماناً منتخبا خاصا إضافة إلى حكومة وإدارة عامة وميزانية وموارد ونظم وغيرها برغم أنها دولة بسيطة وليست دولة مركبة ومثلها تسمي دول فيدرالية الواقع (de facto) ولا تصنف قانونا بدولة فيدرالية !!. إذن من ناحية عدد الدول فان الدول ذات الأنظمة الفيدرالية هي ??دولة من أصل ??? دولة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ولكنها تمثل وحدها أكثر من ??? من سكان العالم. لماذا الدول تختار الصيغة الفيدرالية لنظام حكمها؟ البعض يختار الصيغة الفيدرالية من اجل تأسيس دولة قوية مزدهرة مثل حال الولايات المتحدة وأستراليا والبرازيل والبعض الأخر يلجأ إلى الصيغة الفيدرالية لتحقيق أهداف أكثر تواضعا ومحدودية من اجل الحفاظ علي الدولة من التفكك مثل حال بلجيكا( التي كانت دولة بسيطة ) وكذا البوسنة والهرسك و إثيوبيا بينما دول أخرى مثل كندا والهند لجأت إلى الصيغة الفيدرالية لتجمع بين أهداف النموذجين السابقين. وكما هو معلوم عدد من نماذج أنظمة فيدرالية فشلت في تجاربها وتفككت بعد سقوط جدار برلين وهي الاتحاد السوفيتي 1991وجمهورية يوغسلافيا الاشتراكية الاتحادية( ????-????) وتبعه انهيار اتحاد صربيا والجبل الأسود (????-????) وفي الأخير نشير إلى تفكك تشيكوسلوفاكيا(المشهور بأسم الطلاق المخملي ) وعلى المستوى العربي نشير إلى تجربة ليبيا التي كانت دولة فيدرالية في عهد السنوسي لمدة ?? عاما من????-???? تحولت بعدها إلى دولة بسيطة عكس الحالة اليمنية وفي الجنوب عرف التجربة الفيدرالية (التي لم تشمل المحافظات الشرقية. ) من اتحاد الجنوب العربي 1952-???? إلى اتحاد الإمارات الجنوب العربي ????-???? الذي انتهى مع الاستقلال . وفي الأخير نشير في الإطار العربي نجاح التجربة الفيدرالية وهي الوحيدة لدولة الإمارات العربية المتحدة وفي الإطار الأوروبي إلى التجربة الرائدة لألمانيا الفيدرالية وكلاهما لجنة صياغة الدستور درست التجربتين عن قرب سنري عند نشر مسودة الدستور مدي استفادتهم من التجربتين وملائمتها علي الواقع اليمني وفي الحقيقة المسألة لا تقتصر علي شكل الدولة أو النصوص الدستورية وإنما في النخب السياسية الحاكمة ومدي إيمانها بسيادة القانون وقدرتها علي الالتزام بنصوص وروح قواعد الدستور. أصاب الرئيس هادي في نهاية كلمته عند استقباله أعضاء لجنة صياغة الدستور حين أكد علي " مضمون العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية وبناء المؤسسات بعيدا عن حكم الفرد أو الأسرة أو القبيلة أو المذهب" وكل هذا كلام جميل جداً ولكن الواقع حتى الان بعيدا جداً عن كل ذلك الانتماء القبلي أو المذهبي وأضيف المناطقي هو الذي يتحكم في خيارات الدولة والنظام الحالي فهل النظام الفيدرالي ونصوص الدستور الاتحادي سيغير في الأمر شيئا لا أريد الاستعجال في الرد علي هذا التساؤل حتى نشر مسودة الدستور صحيح التركيبة القبلية والعسكرية للمجتمع اليمني لا تدعو للتفاؤل لكنني كرجل قانوني أعلم ان النصوص تساهم في تغيير تقاليد المجتمعات وقناعات النخب السياسية وان كان ذلك يأخذ وقتا طويلا .