تقرع طبول الحرب هذه الأيام بلهفة ورغبة عارمة تتلبس أولائك الذين لم يعتادوا على التعايش مع الوئام والسلام والسكينة وغدت الحرب توأما لحضورهم، بل وتحولت إلى وسيلة استثمارية تدر عليهم المليارات التي يحققونها من تجارة الأسلحة والغنائم والمنهوبات والمخصصات المهولة التي تستنزف قدرات بلد غدا أكثر من نصف سكانه تحت خط الفقر.
لا يشعر الذين أشعلوا عشرات الحروب خلال ثلث القرن المنصرم في اليمن بالخجل من إيصال سمعة اليمن إلى أعلى مستويات التشوه والقبح والبلوغ بحياة مواطنيها إلى أدنى مستويات المعيشة وأسوأ الدرجات في سلم الخدمة والرعاية، بل إنهم يتباهون بانتصاراتهم التي لم تكن إلا انتصارات على ملايين المواطنين البسطاء، ويتحجج تجار الحروب وأثرياؤها بشعارات زائفة يقولون أن الحروب المدمرة التي أشعلوها كانت دفاعا عن تلك الشعارات وهي في الحقيقة لم تكن إلا تسابقا على الغنائم ونهبا للمال العام واستثمارا مربحا في تجارة السلاح.
اليمن على مشارف الحرب، وهذه المرة لن يقول دعاتها أنهم يدافعون عن الوحدة التي قد دمروها بادعاء الدفاع عنها لأن من يحاربونه ويسعون الى هزيمته اليوم رئيس ما يزال يتمسك بالوحدة حتى بعد أن دفع ثمنا جسديا ومعنويا باهظا من علاقته بأهله وراحته وحريته الشخصية، ولن يقولوا انهم يدافعون عن الشرعية لأن الشرعية الوحيدة المتبقية في اليمن هي شرعية من يعدون للحرب ضده، ولن يقولوا أنهم يدافعون عن مصالح الشعب اليمني لأن مصالح الشعب اليمني قد نهبوها وحولوها إلى عشرات المليارات من الدولارات المودعة في حسابات سرية في بنوك العالم، لكنهم سيجدون سببا لشن الحرب فقط وفقط لأنهم يتمتعون بمخزون هائل من السلاح وجيش جرار من الأتباع، ويعتقدون أنهم بذلك سيضمنون كفة (الانتصار).
الحرب ليست فقط مباراة في تبادل القصف واجتياح المواقع واحتلال المساحات، وقتل البشر وتهديم المباني، وتدمير المنشآت، وكل ذلك يشكل مجموعة من الجرائم التي لا ينبغي السكوت عنها، لكن الحرب هي دمار نفسي ومعنوي وأخلاقي وتقطيع للأواصر وترسيخ للبغضاء واستزراع لكراهيات جديدة يسعى الشرفاء لاستئصال بذورها بين المواطنين الأبرياء، وعودة بالمجتمع عشرات السنين إلى الوراء، وعلى الذين يتعطشون لها أن يعلموا أن “ما كل مرة تسلم الجرة” كما يقال.
إنه لمن المؤسف أن هناك من لا يزال يعتبر الحرب لعبة مسلية، وقد قال أحدهم ذات مرة، عندما قيل له أن آلاف الجنود قتلوا (في إحدى حروب صعدة) ” لا يهم عدد الجنود الذين يقتلون فبدل الجنود جنود”، حقا فهؤلاء لا تهمهم مشاعر الثكالى واليتامى والأطفال المشردين ولا مشاهد الدماء والجثامين والأشلاء من ضحايا حروبهم، بقدر ما تهمهم عائدات الحرب وأرباحها.
يعتقد دعاة الحرب أن اجتياح الجنوب سيكون تكرارا سهلا لسيناريو 1994م، متكئين على ترسانة الأسلحة التي نهبوها من معسكرات الجيش والتي دفع فقراء اليمن ثمنها من طعام أولادهم وأدوية مرضاهم، وينسى هؤلاء أن السلاح والجنود ليسا العامل الأساسي للحرب وإنها لن تصنع شيئا عندما تكون بيد من لا إرادة لديه ولا حق في صفه، وينسى هؤلاء أنهم مطلوبون للعدالة الدولية وأن خطواتهم موضوعة تحت مجهر مؤسسات القضاء الدولي، وأن المفترض فيهم أن يحسنوا سلوكهم أمام العالم حتى يخفف عنهم الإجراءات العقابية لا أن يسلكوا كالانتحاري الذي فقد الأمل في التعايش مع العالم فقرر أن يفجر نفسه ومن حواليه.
المواطنون الجنوبيون لا يعتدون ولم يعتدوا ولن يعتدوا على أحد لكنهم هذه المرة قد تعلموا الدرس جيدا وسيعرفون كيف يلقنون تجار الحروب دروسا لم يكونوا يتوقعونها، وعلى أمهات وآباء الجنود والضباط الذين ينوي علي عبد الله صالح إرسالهم إلى الجنوب ليجني من وراء دمائهم وأرواحهم المليارات أن يمنعوا ابنائهم من الذهاب بأيديهم إلى المحرقة، كما ذهب قبلهم ضحايا 1994م الذين لم يسأل علي صالح حتى عن أسمائهم وهو يودع ملياراته في بنوك آسيا وأوروبا، لأن الذهاب هذه المرة سيكون بلا عودة وكل ذلك من أجل إشباع شهوة بعض المعتوهين المتعطشين لرؤية الدماء ومشاهد الدمار ومهرجانات النعوش والجنائز.
برقيات:
* هذه رسالة وصلتني عبر خدمة الووتس أب من الكاتب والشاعر والفنان التشكيلي الأستاذ غالب الجعدي من أبناء محافظة ريمة الجميلة وفيها: “دعوة لكل الفنانين والرسامين والشعراء والأدباء ورجال الفكر والثقافة ورجال الدين ورجال الأعمال ومشايخ القبائل وكل الشرفاء. . .امنعوا الحرب، امنعوا الدمار، امنعوا سفك الدماء، بالقصيدة, باللوحة، بالمحاضرة، بالمظاهرة، بالدعاء، كل واحد بما يستطيع، اليمن في أعناقنا جميعاً” وقد نقلتها للقراء حرفيا بلا زيادة أو نقصان.
* يقول الشاعر العباسي صالح عبد القدوس:
أدّ الأمانة ، والخــــــــيانةَ فاجـــتنـبْ واعـدل ولا تظلـم يطيـب المكسـبُ
واحذر من المـظلوم سهمـاً صائبـاً واعلـم بـأن دُعـاءه لا يُحـــــــجـبُ
واحـــــــــــذر مؤاخاة الدّنـــي لأنـهُ يعـدي كما يعـدي الصـحيـح الأجـربُ
واختر صـــديقك واصطفيه تفاخراً إن القَريـن إلـى المقـارنِ يُنـــسـبُ
ودع الكذوبَ ولا يكنْ لكَ صاحباً إن الكذوبَ لبـــــــــئـس خـلاً يُصحـبُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* من صفحة الكاتب على الفيس بوك