أسوأ مساوئ الشمال في علاقته مع الجنوب وهي كثيرة ولا عد لها هي سمة الغدر وسوء النوايا ، فمنذ إرهاصات الوحدة الأولى كان قادة الشمال خبثاء حد ( اللؤم والنذالة) في نظرتهم لهذه الوحدة وكان قادة الجنوب صادقون حد (السذاجة والغباء) في تعاملهم مع الطرف الشمالي شريك الوحدة.
وبزاوج النذالة من السذاجة كان المولود مشوها وهو عبارة عن وحدة ظالمة للجنوب ،أخذت من الجنوبيين كل شيء طيب كان لديهم ولم تعطهم شيئا طيبا كان لدى الشمال في حال افترضنا ان لدى الشمال كدولة شيء طيب غير الماء والخضرة والجو الحسن.
في بداية الوحدة لم يصدق الشماليون ،لشدة فرحتهم أنهم توحدوا مع شعب يشبه قادته بريء وطيب(حد الهبل ) ولا يعرف شيء عن اللف والدوران ،فتمهلوا قليلا في البدء، حتى تأكدوا ان النمر الجنوبي الشيوعي الذي كان يرعبهم لم يكن سوى نمرا من ورق، لذلك نزلوا على الجنوب كالسيل الجارف، يمارسون على أهله كل حيل الغدر والنصب والاستغفال على الصغير والكبير ، في حين كان صالح في صنعاء وعدن ، يتبرع للمسئولين والقادة الجنوبيين ببناء منازل وفلل فاخرة لهم ثم ينصب لهم فيها كاميرات التنصت والتصوير ،في كل مكان ،من سرير النوم إلى الحمامات ليستغلهم بعد ذلك أسوأ استغلال حتى حولهم إلى عبيد في بلاطه ،لا يستطيعون مخالفته حتى بعد موته وهذه حقيقة لا مبالغة فيها.
فيما شعبيا جاء إلى الجنوب من يبيع للناس قردا يغني ،ومن يأتي برجل مقيد يجمع له التبرعات لإعتاقه من حكم إعدام وحالات كثيرة حين يتذكرها الجنوبيون اليوم يضحكون على أنفسهم كيف مرت وانطلت عليهم.
مارس الشمال كل ما لديه من الحيل والنذالة واستمر الجنوبيون في طيبتهم وسذاجتهم حتى تمكن صالح من تدمير الجنوب أرضا وإنسانا ،وهو حول حياة الجنوبي إلى مأساة ،وفيلم هندي طويل ،البطولة فيه لأي شمالي يتمنطق جنبية ويتحدث بهمجية باسم الوحدة ، والضحية جنوبي ضعيف بات مقتنعا بأنه مواطن درجة رابعة بعد مضطهدي تعز وتهامة ، وبالتالي عليه ان يتقبل ان يكون مهمشا في عمله وفي أرضه وان ينهب حقه ،بل ان مالك الأرض التي تستخرج منها ثروات النفط في شبوة مثلا لم يكن ليتجرأ إن يحلم بوظيفة أكثر من حارس في شركة تعمل في أرضه و يديرها شماليون ،لإدراكه إن الدولة القائمة وان كان نصفها جنوبيون هي دولة الشمالي ولو كان من أبناء الدرجة الثانية أو الثالثة هناك لا دولته .
الانقلاب الكبير في هذه المعادلة حدث بظهور الحراك الجنوبي السلمي الذي قلب الأمور رأسا على عقب ،وأعاد للجنوبيين بعضا من كرامتهم المهدورة التي أضاعها السياسيون الطيبون السذج ،حيث قام بإعادة تربية و تهذيب سلوك الكثير من القادة الشماليين المستهترتين في نظرتهم للجنوب وللجنوبيين ، وعلمهم ان جنوب 2007م ليس جنوب 90م وتراكمت انتصارات استعادة الكرامة والهوية حتى وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه اليوم الذي نشاهد فيه مدرعة الأمن المركزي التي كانت تقتل الناس في الشوارع دون سبب،باتت وهي ذاتها ترفع علم الجنوب وتحمي فعالياته في قلب خورمكسر.
ما يهم في خلاصة حديثنا عن خبث الشمالي وسذاجة الجنوبي هو التذكير ،بأن مآسينا العظيمة لم تكن لتحدث لولا سذاجتنا هذه ،وان خبثهم ما كان ليمر لو طيبتنا التي وصلت حد الغباء ، ولذا فمن أولويات المرحلة القادمة ولكي نحافظ على النصر الذي تحقق وهو عظيم بكل المقاييس فعلينا مغادرة مربع الطيبة السياسية والتنبه لخبث الآخر ومكره ،وإذا ما تغافلنا وعدنا إلى ذات الجحر الذي لم نغادره كليا بعد، ففي هذه الحالة نكون نحن من أوقع نفسه في غيابة الجب وعليه تحمل تبعات ما فعل.