لماذا مازلتم في اليمن؟ سؤال طرحه علي أحدهم بنبرة توحي بأنه يلوم التحالف على ما حل باليمن من مشكلات. فقلت له تعال أخبرك فقط عما حدث في مدينة المُكلاّ. عندما تقدم مقاتلو «القاعدة» ناحية المكلا في عام 2015 انسحبت قوات علي عبدالله صالح من المدينة فجأة، لتدخلها القاعدة في أبريل من العام نفسه، وتسيطر عليها بكل سهولة ويسر. فحكمتها لمدة عام، نشرت فيها رجال الحسبة الذين يحق لهم أن يطبقوا «الحُدود» في الشوارع، فيجلِدون، ويقطعون الأيادي، ويضربون ويقتلون. واستغلت خيرات المدينة، وتحول ميناء المكلا إلى مصدر آخر من مصادر الدخل للتنظيم، وصار المنفذ الرئيس الذي تمر من خلاله أسلحته التي ستُستخدم في عمليات إرهابية في اليمن ودول الخليج. تَصَوّر فقط أن تنظيماً إرهابياً يملكُ ميناء بالقرب من باب المندب! وتحولت المكلا، تلك المدينة الجميلة التي قال فيها الشاعر السعودي حسن الزهراني: «قال هل أنت مُوجَعٌ؟ قُلتُ: كلاّ… كيف أشكو وقد وصلت المُكلاّ؟… يا بلاداً تَوَضّأَ الحُسْنُ فيها… وإلى قِبْلَة التألّق صَلّى». إلى قطعة من جحيم، عانى فيها الناس من القمع والتعذيب والأعمال الإجرامية ما لا يخطر على بال.
وفي بداية رمضان، بدأت إحدى الجمعيات الخيرية التابعة لـ«جماعة الإخوان» بتوزيع عبوات طعام على الناس قبل الإفطار. استمرت تفعل ذلك حتى عرفها الناس وأخذوا يفدون عليها كل يوم، وفي الثاني والعشرين من رمضان، كانت مجموعة من القوات اليمنية بين الذين استلموا عبوات الطعام تلك، وعندما ارتفع صوت الأذان، فتح الناس العبوات فانفجرت في وجوههم… لقد كانت عبوات ناسفة! وفي يوم آخر، مرّ شخص - عُرف لاحقاً بأنه من جماعة الإخوان كذلك - بجانب مجموعة تحلّقت على الرصيف حول الطعام تنتظر الأذان، وكانت بين المجموعة طفلة صغيرة اسمها «منار». اقترب الشخص من منار ووالدها زاعماً أنه يريد طعاماً، وفور أن تغلغل في وسط المجموعة قُبيل الأذان، فجّر حزامه الناسف؛ وتحولت منار ومن معها إلى أشلاء تطايرت في الهواء مع صوت المؤذن: الله أكبر!
ولكن في أبريل 2016 تقدمت القوات البرية الإماراتية ناحية المكلا قادمة من الشمال، تعلوها طائرات سلاح الجو لتقصف معسكرات «القاعدة»، ومن البحر كانت البارجات البحرية الإماراتية تقصف مقارّ التنظيم في الجنوب. وخلال عشرين ساعة تم إخراج القاعدة من المكلا وحضرموت. ثم قامت القوات الإماراتية بفتح المطار، وتأمين الميناء، وبدأت مباشرة بإعادة تأهيل المراكز الصحية والمدارس وفتح المؤسسات الحكومية وإعادة القانون والنظام إلى المدينة.
عندما ذهبتُ إلى المُكلا مع مجموعة من الزملاء، رأينا شباباً يبعثون الفخر والعزة في داخل النفس، ورغم أنهم في حرب، وقد - لا قدر الله - يستشهد أحدهم في أي لحظة، إلا أنهم كانوا يضحكون وكأنهم سيعيشون مئة عام. كانوا يحكون لنا عن مهمتهم وَهُمْ في قمة الفرح، لسبب رئيس واحد: أنهم غيّروا حياة الناس في المكلا للأفضل.
قلتُ لسائلي: «لكل هذا، لتحقيق الأمن، ثم السلام والعدالة، مازال الإماراتي في اليمن، وسيبقى إلى أن ترتفع راية الحرية على أراضيه ويعود سعيداً كما كان». هكذا حدّثنا جنودنا الذين ستبقى المنطقة والعروبة كلها مديونة لتضحياتهم.