بالأمس كنتُ أتحدثُ مع الروائي العالمي، باولو كويلو، الذي كان يُتابعُ «تحدي القراءة العربي»، منذ أن أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، قبل عام، ولإعجابه بمنجزات البرنامج في دورته الأولى، طلب منّي نشر الرسالة التالية في عمودي الأسبوعي:
«عزيزي الشيخ محمد
لطالما تمعنتُ في سِرّ الحياة، حالي في ذلك كحال كثيرين قبلي وكثيرين سيأتون بعدي، وكلما تساءلتُ أكثر شعرتُ بالحيرة تلفّني من كل صَوْب، هذا التساؤل دفعني للبحث والقراءة كثيراً، ورغم أنني أعترف بأني لم أصل إلى نتيجة حتميّة، لكني عرفتُ مهمتي الآن، وهي أن أكتب. إن مُحاولة اكتشاف الذات هي من أصعب المهام وأكثرها متعة، هي المغامرة الوحيدة التي تُعطي لحياتنا قيمة، ولإنجازها هناك طريقتان: القراءة وخوض التجارب. وربما لا يكون أحدنا محظوظاً ليخوض تجارب كثيرة في حياته، إلا أن معظم الناس اليوم يستطيعون أن يقرأوا.
لقد قرأتُ مرة هذا المثل وأظنه عربياً: «شيئان لا يُمكن للإنسان أن يُخبّئهما، العِطْرُ والمعرفة»، واسمح لي أن أقول إن القراءة هي عِطْرُ المعرفة، فالقارئ وحده مَن يَبقى عَبَقُه في كل مكان يمرّ فيه. إنه الزّهرة التي لا نكتفي باستنشاق طيبها، بل نُحدق فيها طويلاً، لا نعرف لماذا، ولكننا نعرف جيداً أنها تمنحنا شعوراً سعيداً.
إن ما قمتم به في تحدي القراءة العربي يُرسل رسالة للعالم العربي، وربما للعالم كله، مفادها أن الحل الجذري لخروج المجتمعات من أزماتها، أياً كانت، هو القراءة، فعندما تقرأ أمةٌ ما فإنها بذلك تبدأ الخطوة الأولى في رحلة تغيير مصيرها؛ لتصنع مستقبلاً مشرقاً.
إن من الأشخاص الذين تأثرتُ بهم في حياتي اثنين، أحدهما ثقافته قريبة من ثقافتي، وهو خورخي لويس بورخيس، الذي قال: «دَع الآخرين يتباهون بعدد الصفحات التي كتبوها، أما أنا فسأتباهى بعدد الصفحات التي قرأتُها»، وأنا أعتقد، مثل بورخيس، أن الثقافة لا تكمن في عدد الكتب التي تملأ المكتبات، بل بمدى إقبال القُرّاء عليها، والأهم هو كم استوعبنا منها، وكم تَغيّرنا، ثم ماذا قدّمنا للحياة؟
أما الشخص الآخر فإنه مِن ثقافتك العربية، وهو مُحيي الدين بن عربي، الذي قال: «كلُّ سفينةٍ لا تجيئها رياحها مِنها فهي فقيرة»، وها أنتم في الإمارات والعالم العربي بدأتم صناعة مصائركم بأنفسكم، تركبون سُفُنَ المعرفة، تملأُ أشرعتكم رياح القراءة، لترسوا بكم قريباً في موانئ المستقبل.
أُحب بهذه المناسبة أن أهنئكم، وكل الفائزين والمشاركين في هذا الحدث الحضاري، وسأتطلع دائماً لمتابعة مزيد من هذه الأنشطة التي تُعيد للكتاب مكانته الحقيقية في القرن الحادي والعشرين.
تحياتي
باولو كويلو».
*الامارات اليوم