رفعت الحكومة اليمنية من وتيرة انتقاداتها للمبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث على خلفية دور مفترض له في دفع رئيس فريق المراقبين الدوليين في الحديدة باتريك كاميرت إلى تقديم استقالته في أعقاب انتقادات وجهتها له قيادات في الجماعة الحوثية وصلت حد التلويح بعدم التعامل معه.
ورغم أن متحدثا أمميا أكد للصحافيين الجمعة أن كاميرت يواصل عمله ولم يستقل، فإن الحكومة اليمنية تم إبلاغها بأن كبير المراقبين سيستقيل وأنه يجري التفكير ببديل له، في موقف يوحي بأن الأمر يحتاج لبعض الوقت إلى حين اختيار خليفة له.
ووصل غريفيث إلى العاصمة السعودية الرياض، الأربعاء برفقة كبير المراقبين الدوليين في الحديدة باتريك كاميرت، ليلتقي الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، وذلك بعد زيارة قام بها إلى صنعاء.
وأكدت مصادر سياسية لـ”العرب” أنه استمع فيها لشكوى الميليشيات الحوثية من تحركات كاميرت واعتباره شخصية غير مرغوب فيها.
وأشارت إلى أن المبعوث الأممي بدا متفهما للرؤية الحوثية، وهو الأمر الذي كان حاسما في تقديم كاميرت لاستقالته.
وفي تصريح خاص لـ”العرب” حول التطورات المتسارعة في التعثر الذي يشهده المسار السياسي، قال وزير الإعلام في الحكومة معمر الإرياني إن المجتمع الدولي بات يدرك بشكل واضح من هو الطرف المعرقل لاتفاقات السويد بالرغم من إحجام غريفيث عن الإفصاح عن ذلك بشكل رسمي.
وحذر من أنه إذا لم يسارع المجتمع الدولي والأمم المتحدة للضغط على الميليشيات الحوثية لتنفيذ اتفاق ستوكهولم فإنهما يساهمان بذلك في تسريع انهيار المسار السياسي برمته.
وطالب الإرياني المبعوث الأممي بأن “يكون أكثر شفافية وألا يراهن كثيرا على صبر الحكومة اليمنية وتحملها لمئات الخروقات والانتهاكات الحوثية منذ سريان اتفاق وقف إطلاق النار في الحديدة”.
ويرى العديد من الخبراء والمحللين اليمنيين أن استقالة كبير المراقبين الدوليين ستعقد المشهد السياسي في اليمن وخصوصا أن الاستقالة جاءت استجابة لضغوط حوثية بينما كان المفترض أن يأتي الضغط من قبل الأمم المتحدة على الحوثيين لإجبارهم على تنفيذ الاتفاق الذي وقعوا عليه في ستوكهولم منتصف ديسمبر الماضي.
وقلل الباحث السياسي اليمني أمين الوائلي من فرص نجاح الشخصية الأممية المزمع أن تخلف كاميرت، لافتا إلى أن المشكلة مازالت تكمن في التفسير الحوثي الخاص والالتفافي الذي استفاد من صيغة اتفاق السويد الملتبسة التي تترك لغريفيث وحده حق وصلاحية التفسير وإعادة التفسير في كل مرة بما يخدم توجهاته ورؤيته.
وأضاف الوائلي أن “أي خليفة لباتريك إما أن ينفذ الاتفاق بشكل دقيق وبالتالي سيصطدم بالحوثيين لا محالة، وإما أن يعمد إلى قراءة مجاملة لهم، وعندها حتى إذا داهنت الحكومة ورضخت كما هو متوقع فإن الاتفاق لن ينفذ لأنه لم يعد ثمة اتفاق للسلام بل فرض لأمر واقع وتوطين لنفوذ الانقلابيين”.
وتتزايد في كواليس المشهد اليمني المخاوف من طبيعة التحركات التي تقوم بها بريطانيا في الملف اليمني والتي تكشف عن حالة اهتمام غير مسبوقة تخفي خلفها مشروعا لم تتضح معالمه بعد.
وفي أحدث التحركات البريطانية المفاجئة، وفي ما اعتبر محاولة لتوطين الوضع الهش في الحديدة، أعلن وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت عن تمويل بلاده مبلغ 2.5 مليون جنيه إسترليني، لصالح توفير وظائف مدنية ضمن فريق المراقبين الدوليين في الحديدة.
وفي تغريدة له على تويتر كشف هانت عن استضافة لندن اجتماعا في فبراير المقبل للجنة الرباعية الخاصة باليمن. وقال “اتفقت مع مايك بومبيو (وزير الخارجية الأميركي) على أننا سنستضيف اجتماعا في فبراير إلى جانب المملكة العربية السعودية والإمارات لتعزيز دعمنا لعملية ستوكهولم والاتفاق على الخطوات التالية لإحراز المزيد من التقدم في التوصل إلى تسوية سياسية لليمن”.
وعن طبيعة الدور الذي تلعبه بريطانيا في ملف الأزمة اليمنية أشار الباحث السياسي اليمني فارس البيل إلى أن لندن تنطلق في تأثيرها هذا من علاقاتها ومصالحها وإرثها التاريخي في المنطقة الذي تحاول استعادته.
وأكد البيل في تصريحه لـ”العرب” أن تحركات بريطانيا تنطلق من رغبتها في أن تصل بأطراف الأزمة في اليمن إلى حل يرضي سياستها ويقوم على عدم إقصاء أو هزيمة مشروع الحوثي، بل أن يكون شريكا في المستقبل بشروط قوية تمكنه من إرباك الدولة اليمنية.