تهلُّ علينا ذكرى الاستقلال الوطني المجيد الثلاثين من نوفمبر 1967 اليوم الاستثنائي في حياة أبناء الجنوب، والحدث التأريخي الخالد في وجدان وضمير شعبنا والذي جاء تتويجا لانتصار ثورة الرابع عشر من أكتوبر الخالدة من قمم جبال ردفان الشماء بعد كفاح مسلحٍ دام أربع سنوات وهو امتداد لنضالات طويلة ما قبل اندلاع ثورة الرابع عشر من أكتوبر تمثل في الانتفاضات المسلحة التي انطلقت في مناطق جنوبية ، والاحتجاجات المدنية السلمية والنقابية والسياسية التي شهدتها المدن الرئيسية وفي المقدمة منها مدينة عدن ، وقد شكلت كلها أرضية صلبة انطلقت منها ثورة الرابع عشر من أكتوبر للتعبير عن مستوى النضج السياسي الذي توصل إليه شعبنا الجنوبي وبعد أن وجد أن النضال السلمي مع خصم سياسي قام منذ البداية على قاعدة البطش و التضليل والاجتياح والنهب والقوة غير مجدي ، وما أشبه الليلة بالبارحة !!!
إن نوفمبر هو تتويج لنضالات وكفاحات سنوات طويلة خاضها شعبنا الأبي من أجل الحرية والكرامة والانعتاق من الاحتلال البريطاني الذي جثم على صدر شعبنا قرن ونيف من الزمان ، نشر خلالها التخلف والجهل والمرض وعمل على تغييب تطلعات شعبنا العريضة ووأد أحلامه في الحرية والعيش الكريم ، وهي ليست فقط ذكرى طرد المستعمر من أرضنا الطاهرة ولكنها أيضا ذكرى عظيمة تجسدت في توحيد الجنوب في كيان واحد موحد في إطار دولة واحدة وتحت علم واحد؛ هو هذا العلم الذي ما يزال اليوم خفاقا عاليا في سماء الجنوب وسيظل خفاقا حتى استعادة الدولة وتقرير المصير .
لقد كان الثلاثين من نوفمبر أحد المنعطفات التاريخية ومن أغلى اللحظات الوطنية الراسخة لما حمله من دلالات عميقة ودروس بليغة وبطولات عظيمة وكلحظة تاريخية للتأمل والتدبر في مسلسل الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال في "سياق نضالي شامل للمضي قدما على درب تحقيق تطلعات شعبنا ، من خلال استحضار التاريخ ومقاربة لحظاته النضالية ومعاركه من أجل البقاء والاستمرارية واستخلاص العبر من مختلف محطاته، واستلهام ما تنطوي عليه هذه الذكرى من قيم سامية وغايات نبيلة لإذكاء الضمير الوطني وزرع روح المواطنة وتحصين المكاسب ومواصلة مسيرة النضال وربط الماضي التليد بالحاضر والمستقبل تكريسا لما في اللحظات الماضية والحاضرة من قوة جذب باتجاه المضي قدما نحو المستقبل والسلام" .
تقع علينا اليوم مهام جسيمة لا تقل أهمية وجسامة عن تلك التي حملها آباؤنا وأجدادنا حين خاضوا ثوارتهم ونضالاتهم من أجل الحرية والكرامة ، وهو الأمر الذي خضناه نحن في العصر الحديث في مواجهة عصابات الدين والقبيلة والعسكر منذ العام 94 وحتى اليوم ، وما تزال تلك العصابات وتجار الدين والحروب تطبخ المؤامرات الدنيئة وتسعى لإشعال الحرائق وزراعة الفتن ليتسنى لها العودة مجددا للهيمنة ونهب ثروات الجنوب ، وهو ما لن يحدث ولن تقف أي قوة في الأرض أمام حق شعبنا المقدس في تحقيق تطلعاته في الحرية واستعادة الدولة .
رحم الله شهداء الثورة والاستقلال وشهداء المقاومة الجنوبية الباسلة وعلى طريق الاستقلال الثاني ماضون بخطى ثابتة وآمنة ، عهد الرجال للرجال .
فضل الجعدي