في بلد ينهشه الصراع منذ سنوات تعيش المرأة اليمنية مأساة مركبة حيث تدفع الثمن الأكبر في حرب لم تشارك في إشعالها لكنها حوصرت بنتائجها وتحملت تبعاتها اليومية القاسية فمنذ اندلاع النزاع المسلح في اليمن أصبحت المرأة اليمنية ضحية مباشرة للدمار، للفقر، للتشريد، وللانتهاكات الممنهجة التي لا تتوقف، لا سيما في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي، التي مارست نمطاً من القمع المتصاعد ضد النساء، مستهدفاً وجودهن في الفضاء العام، وحريتهن وحتى كرامتهن الشخصية تحت مبررات وذرائع أخلاقية أو دينية، شرعت أبواب الملاحقة للنساء، فاعتقلت ناشطات وصحفيات وعاملات إغاثة فقط لأنهن عبرن عن رأيهن أو شاركن في مبادرات مدنية، كثير من المعتقلات احتُجزن في سجون سرية بلا محاكمات وتعرضن خلال الاحتجاز للتعذيب النفسي والجسدي، والتحقيق المهين، والتشهير بهن عبر وسائل الإعلام التابعة للجماعة. وتحدثت تقارير حقوقية محلية ودولية عن استخدام تسجيلات وصور خاصة لابتزاز بعضهن، أو لإجبارهن على تقديم "اعترافات" قسرية تُبث لاحقاً للتشهير بهن والمس بسمعتهن، هذه الممارسات لم تكن فردية أو عشوائية بل نُفذت عبر جهاز أمني خاص اُستحدث لملاحقة النساء تحت مسمى “الزينبيات”، وهو جهاز نسائي أمني يتبع جماعة الحوثي، مهمته تنفيذ اعتقالات، ومداهمات، ومراقبة النساء في الجامعات والأسواق وحتى في مناسبات الزواج؛ وبالتوازي مع القمع الأمني، فرضت الجماعة قيوداً صارمة على حرية التنقل والعمل فمنعت النساء من السفر دون "محرم"، وأعاقت عمل كثيرات في منظمات إنسانية ومنعت فعاليات نسوية، وأغلقت مراكز تدريب كانت تقدم دعماً للنساء، كما فرضت قواعد لباس متشددة وأخضعت المعلمات والموظفات لدورات فكرية أيديولوجية تسعى إلى قولبة دور المرأة ضمن أطر طاعة وولاء للجماعة، وليس للمجتمع أو القانون، هذه السياسات حرمت المرأة اليمنية من أبسط حقوقها وزادت من هشاشتها في بيئة أصلاً منهارة اقتصادياً واجتماعياً، وفي مناطق الحوثيين كما في بقية البلاد النساء هن من يتولين إعالة الأسر في ظل غياب المعيل أو فُقدانه سواء بسبب الحرب أو الاعتقال، لكن المفارقة أنهن يُلاحقن في ذات الوقت بسبب سعيهن للعمل أو المشاركة المجتمعية وتحولت حياة النساء خاصة من الأرامل والنازحات إلى معركة يومية من أجل البقاء في ظل غياب فرص العيش وندرة الخدمات الأساسية وتفشي الفساد واستغلال النفوذ وانعدام آليات الحماية، في مخيمات النزوح وفي القرى المحاصرة، وفي شوارع المدن الخاضعة للرقابة تسير المرأة اليمنية بخطى مثقلة محاطة بالخوف والصمت، الكثير من النساء اليمنيات تعرضن للتحرش أو الابتزاز مقابل المساعدات، ولم يجدن جهة واحدة يمكنها استقبال شكاواهن أو حمايتهن، ورغم كل هذه التحديات لا تزال المرأة اليمنية تقاوم الانهيار الكامل، تربي، وتُدرس وتبادر وتحاول أن تحافظ على كيان أسري واجتماعي منهك لكن هذه المقاومة لا تلقى اعترافاً سياسياً أو اهتماماً دولياً كافياً وغالباً ما يتم التعامل مع النساء بوصفهن ضحايا فقط، لا كشريكات في الحل، بينما تُستثنى أصواتهن من مشاورات السلام والمفاوضات ويُغيب تمثيلهن الحقيقي عن مراكز صنع القرار، رغم أن الحرب أثبتت أن النساء كنّ أكثر قدرة على الصمود، وعلى إدارة المجتمعات الصغيرة تحت النار، وعلى مدّ الجسور حيث فشل السلاح، إن ما يحدث بحق النساء في اليمن خاصة في مناطق سيطرة جماعة الحوثي لا يجب أن يُرى بوصفه مجرد تجاوزات فردية بل كسياسة ممنهجة لتقييد حرية المرأة وقمع دورها، وإخضاعها لصيغة اجتماعية تضمن بقاء السيطرة الذكورية والعسكرية، وإذا ما أراد العالم أن يدعم السلام في اليمن بحق فعليه أن يبدأ بالاستماع إلى النساء وأن يُصر على وقف الانتهاكات ضدهن ومحاسبة من ارتكبها وضمان أن تكون لهن مشاركة عادلة في إعادة بناء بلد جُرد من الحياة وتحملت نساؤه أقسى تبعات الخراب.
*شيماء علي (ناشطة حقوقية)