المجلس الانتقالي الجنوبي هو سلطة سياسية لادارة الشأن العام وممارسة اعمال السيادة في الجنوب ، حتى انتهاء الازمة اليمنية ، ونظراً لتعقيدات الازمة اليمنية وتعدد اطراف النزاع والتزامات المجلس الانتقالي تجاه الاقليم والمجتمع الدولي تم تعليق ممارسة اعمال السيادة مرحلياً ، بهدف إعطاء الاقليم والمجتمع الدولي مساحة كافية لمعالجة الازمة اليمنية سياسياً.
وقد تعرض المجلس الانتقالي منذ الاعلان عنه لضغوطات عديدة سياسية واقتصادية وامنية محلية وخارجية من كافة القوى الشمالية المناوئة لمشروع استعادة الدولة في محاولة منها لوأد الكيان الوليد في مهده ، من خلال الايعاز للقوات العسكرية في العاصمة عدن انذاك للانقضاض على المجلس وانهاء دوره الريادي كحامل سياسي للقضية الجنوبية ، الا ان كل المحاولات باءت بالفشل بفضل حكمة القيادة السياسية للمجلس بقيادة الاخ الرئيس القائد/ عيدروس الزبيدي والتفاف جماهير شعب الجنوب وقواته المسلحة حول المجلس الانتقالي.
وعقب احداث اغسطس 2019م استطاع المجلس الانتقالي ان يفرض سيطرته على العاصمة عدن عسكرياً وامنياً ، والاستجابة لدعوة الاشقاء في المملكة السعودية للحوار مع الشرعية في الرياض ، والتوقيع على اتفاق الرياض بهدف توحيد صف القوى المناوئة لجماعة الحوثي ، باعتبار هذه الجماعة تشكل تهديد لجميع الاطراف وللمنطقة العربية ، وبموجب اتفاق الرياض تم تشكيل حكومة المناصفة بين الجنوب والشمال ، وتعيين محافظي عدن وشبوة.
وبحسب مراقبين يعد اتفاق الرياض مكسب سياسي للجنوب وللقضية الجنوبية ، فقد اضفا على المجلس الانتقالي شرعية سياسية وعسكرية ، واعترف بالقضية الجنوبية كقضية سياسية وطنية محورية لايمكن تخطيها او القفز عليها ، وابرز القضية الجنوبية الى المشهد الاقليمي والدولي .
وقد عادت القوى الشمالية المنضوية تحت عباءة الشرعية مرة اخرى وهذه المرة من خلال استخدام الورقة الاقتصادية بحصار وتجويع الشعب بالعاصمة عدن والمناطق المحررة ، ونشر الفساد وانهيار العملة المحلية وارتفاع اسعار المواد الغذائية الاساسية والوقود وتردي الخدمات وتعثر صرف الرواتب للجيش والامن الجنوبي مما ضاعف معاناة الناس وخلق حالة من التذمر والغضب لدى المواطنيين بهدف ضرب الحاضنة الشعبية للمجلس لممارسة مزيداً من الضغوط عليه ، حتى يمكن إضعافه وارباكه عن مشروعه التحرري ، إلا ان القيادة السياسية للمجلس الانتقالي استشعرت هذا المخطط الخبيث وعقدت هيئة رئاسة المجلس اجتماعها الطارئ بالعاصمة عدن في 9/نوفمبر2021م حدد المجلس فيه خياراته الواضحة واعلن وقوفه الى صف الشعب ، وعقب بيان المجلس الذي صدر عن الاجتماع الطارئ تم توجيه دعوة للاخ الرئيس القائد /عيدروس الزبيدي من قيادة المملكة السعودية لزيارة الرياض ، والتقى وفد المجلس الانتقالي في الرياض مع القيادة السعودية وناقش العديد من الملفات ابرزها الملف الاقتصادي والبحث عن حلول لتخفيف المعاناة عن الشعب في العاصمة عدن والمناطق المحررة ، واستكمال تنفيذ ما تبقى من اتفاق الرياض ، والتوافق مع الشرعية على اعادة هيكلة مجلس ادارة البنك المركزي وتعيين مدير جديد للبنك المركزي ، والتي قوبلت بارتياح كبير في عدن والمناطق المحررة ، وقد شهد السوق تحسن لابأس به في سعر صرف العملة المحلية ، وكذلك تراجع في اسعار المواد الغذائية الاساسية والوقود ، ويتوقع بعض المختصين ربما يتواصل الانخفاض في الاشهر القادمة.
كما وتشهد العاصمة السعودية الرياض مباحثات سياسية بين كلاً من وفد المجلس الانتقالي والتحالف العربي بقيادة السعودية والشرعية اليمنية حول اعادة تشكيل الحكومة وإعادة توزيع الحقائب الوزارية بين الانتقالي والاطراف السياسية اليمنية الفاعلة ، وتعيين محافظين ومدراء امن لبقية محافظات الجنوب الشرقية ، كما يتوقع بعض المحللين ان تشهد الاسابيع او الاشهر القادمة انفراجة في الازمة الاقتصادية بالعاصمة عدن وبقية مناطق الجنوب المحرر ، والذي سينعكس بدوره على استقرار العاصمة عدن وبقية المناطق المحررة الى حين انتهاء الحرب في الشمال ، ويذهب بعض المحللين بالحديث عن تغييرات كبيرة قد تشمل هيكلة الشرعية اليمنية على مستوى الرئاسة بتعيين نائب للرئيس جنوبي في مقابل نائب رئيس من الشمال.
وعلى الصعيد الامني والعسكري فقد استطاع المجلس الانتقالي بسط سيطرته على العاصمة عدن وشهدت العاصمة استقراراً امنياً ملحوضاً ، باستثناء حادثة اغتيال المحافظ وحادثة المطار وهي بتقديرنا طبيعية في ظل اوضاع الحرب واكتضاض العاصمة بالاف النازحين الشماليين والذي جند البعض منهم كخلايا نائمة وترفض المنظمات الدولية ايواءهم في اماكن خاصة ، كما ان صمود الجبهات العسكرية التابعة للانتقالي في الضالع ويافع والصبيحة وابين وغيرها دون اختراق، يسجل في الجانب الايجابي للانتقالي ويثبت قدرته الفائقة على ادارة المعارك والتصدي للقوات الغازية الحوثية.
وعلى الصعيد الاجتماعي استطاع المجلس الانتقالي الحفاظ على النسيج الاجتماعي الجنوبي متماسكاً ، من خلال ارساء قيم التسامح والتصالح المجتمعي واعلاء قيم العدالة ، من خلال التصدي لكل اشكال المناطقية والعنصرية المقيتة ، لتجنيب الاجيال القادمة ويلات الصراعات ، كما اقر المجلس الانتقالي تفعيل اجهزة القضاء والنيابة العامة في القضايا والامور المستعجلة بهدف الحفاظ على الحقوق والممتلكات العامة والخاصة وفرض سيادة القانون.
الواقع ما ذكر آنفاً ليس نهاية المطاف او المرحلة ، بل هي محطات ربما لابد من المرور بها للوصول الى نهاية النفق ، فمشروع المجلس الانتقالي هو استعادة الدولة الجنوبية الفيدرالية المدنية الحديثة كاملة السيادة على حدود عام 1990م ، وهذا يتطلب المحافظة على الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي الجنوبي والعمل على صيانة الجبهة الداخلية من خلال توحيد ورص الصف لكل القوى المؤمنة بالتحرير والاستقلال واستعادة الدولة باعتبار ذلك مفتاح النصر لتحقيق طموحات الشعب والمجلس الانتقالي الجنوبي .
بسام احمد عبدالله