في نهاية يوليو أصدرت وزارة المالية في عدن تعميمها القاضي بتحويل رواتب موظفي الدولة للصرف عبر البنوك، وهي خطوة بحسب المعروف أنها تاتي ضمن شروط المنحة السعودية الأخيرة والتي مثل جانب دعم الموازنة العامة للدولة جزءا منها. وهي بكل تأكيد خطوة تصحيحيه متأخرة وكان من المفترض التدقيق ومراجعة كشوفات رواتب منتسبي الجهاز الحكومي منذ فترة طويلة لمعالجة مثل هذه الإشكاليات.
البنك المركزي كان دوره هامشي، حيث اكتفى بتحديد مجموعة من البنوك التي يحق لها صرف المرتبات. وهذا هو التصرف الوحيد الذي اتخذه وكأنه غير معني بما يحدث في البلد.
التساؤل المطروح هو ما الوضع بالنسبة لبقية الإيرادات العامة والنفقات العامة للدولة؟ لقد تم التركيز وتشتيت جهود وزارة المالية والبنك المركزي على جانب الإنفاق على الباب الأول، والذي تلقى دعما من السعودية، وإغفال بقية الأنفاق العام سواء بالداخل أو بالخارج والمتمثل في مستحقات العدد الكبير ممن يعيشون خارج اليمن ضمن بعثاتها الدبلوماسية أو بعض الوزراء والوكلاء والمدراء، حيث يمثل عبء أكبر على الموازنة العامة وينهكها وتم الوصول لحجم هذا العبء بعد إيقاف تصدير النفط بسبب قيام الحكومة باقتطاع جزء من الإيرادات العامة لدفع مستحقات من هم في الخارج ويستلموا بالعملة الأجنبية. إضافة إلى بعض النفقات غير المبررة في ظروف البلد الصعبة.
لقد تم إغفال التركيز على وضع خطط لزيادة إيرادات الدولة من مصادر لا تؤدي إلى زيادة العبء على كاهل المواطن والذي يعتبر الحلقة الأضعف، حيث كل زيادة تحملها الدولة على التجار يتم ترحيلها على المواطن الذي لازال راتبه ساكنا منذ فترة طويلة ولا يلبي أدنى متطلبات الحياة.
نحتاج خطوة تصحيحية لتقليل الإنفاق العام على أوجه الإنفاق المبالغ فيها ومظاهر البذخ وعلى صرفيات بعض المسئولين والمرافق والتي تعتبر نفسها ملكية خاصة لمسؤوليها وخارج نطاق الجهاز الحكومي.
نحتاج خطوة تصحيحية للسيطرة وزيادة إيرادات المنافذ من خلال وضع خطط تنافسية لجذب واستقطاب التجار مثل ما عملته سلطات الحوثي في ميناء الحديدة.
نحتاج خطوة تصحيحية في قيام الدولة بالسيطرة على جميع إيراداتها والتي لا زالت بعض مرافق الدولة تعبث بها وتعتبر نفسها فوق القانون وخارج سلطاته.
نحتاج خطوة تصحيحية للاهتمام بالرسوم الجمركية التي يعبث بها.
نحتاج خطوة تصحيحية لوضع السياسة النقدية في البلد وتفعيل دور البنك المركزي للسيطرة على سوق الصرف حيث انخفاض العملة أصبح عبئا على المواطن في ظل غياب الأجهزة الرقابية للدولة، وفي انتظار تقرير من وزارة المالية يوضح حجم التلاعب الذي كان يحدث من قبل مع توضيح العقوبات والمحاسبة لمن ثبت تلاعبه ليكون عبرة لغيره.
سعر صرف العملة الأجنبية خلال الفترة الماضية غير مستقر وقد يصل إلى 400 ريال يمني مقابل الريال السعودي خصوصا في ظل الصمت والغياب الواضح للبنك المركزي والذي ظل متفرجا مثله مثل غيره على ما يحدث في سوق الصرف. وهذا سيفاقم من الوضع المأساوي على المواطن في شتى مناحي حياته.
اللجنة الاقتصادية العليا تم تشكيلها في العام 2018، وللآن لم نرى لها دورا واحدا سوى فرض وجباية الاتاوات من التجار والذين يقومون بترحيل وتحميل كل ما يدفعوه على المواطن. ولا ندري كيف تدار إيرادات ونفقات هذه اللجنة والتي تقدر ايراداتها بمئات المليارات من الريالات.
في ظل هذا الوضع لازال دور السياستين النقدية والمالية منقوصا ويحتاج لإعادة نظر لخلق تكامل أكبر واوسع بينهما لتحقيق أهداف كلا منها وبحاجة لخطوات تصحيحية متسارعة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه حيث اصبح المواطن لا يحتمل المزيد من الإخفاقات والأعباء.
*أستاذ العلوم المالية والمصرفية المساعد بجامعة حضرموت