نتابع مؤخرا التطورات المتسارعة التي حدثت في السوق النقدي وتأثيراتها على سعر الصرف في مناطق سيطرة الشرعية.
للأسف أصبح الأمر مجرد حرب سياسية ضحيتها المواطن لا سيما في مثل هذا التوقيت من السنة، حيث يعتمد الكثير من المواطنين على التحويلات التي تصلهم من الخارج لتعينهم على تحمل قساوة الوضع وبشاعته.
لعدة مرات ذكرت أنه من المفترض إبعاد السياسة النقدية عن الأزمة ومحاولة تجنيبها كونها تمس جميع المواطنين في شتى البلاد.
وبين مؤيد ومعارض لتدخلات البنوك المركزية في عدن وصنعاء يبقى المواطن الحلقة الأضعف كالعادة.
حصر الحوالات عبر الشبكة الموحدة قد يكون سلاح ذو حدين ولكن في اعتقادي أن مضاره أكثر ، وسياسة رد الفعل المتوقع من مركزي صنعاء خطوة كان المفروض أن يتم حسابها قبل إتخاذ أي قرار مثل هذا.
المناطق المحررة تعتمد اعتماد شبه كلي على مناطق سيطرة الحوثي في أغلب الاحتياجات اليومية وأخص هنا الخضروات والفواكة وغيرها من السلع ويتم تحويل قيمة مبيعاتها يوميا بالعملة الأجنبية وهذا أحد أسباب المضاربة على سعر الصرف.
البنك المركزي في عدن قام بنشر تعميم يحظر التعامل مع عدة بنوك كونها لم تلتزم بتعليماته حد قوله.. ولكن معظم البنوك القديمة أصبحت بين ناري مركزي عدن وصنعاء، إضافة إلى عدم قدرتها على دفع حسابات المواطنين التي لديها.
المصيبة هنا أن أي حدث قد يحصل لأحد مكونات الجهاز المصرفي في أي بلد ينعكس سلباً على الجهاز المصرفي بالكامل وهذا الشي اغفله مركزي عدن خصوصا أن ضمن البنوك المعاقبة بنوك تعتبر أكبر بنوك في اليمن.
نقابة الصرافين الجنوبيين كمكون منذ فترة يحذر من تبعات حصر الحوالات عبر الشبكة الموحدة بل وصل به الحال أن يتهم شخصيات في البنك المركزي بعينها بأنها تعمل على تدهور الوضع، ومن المتوقع تدخل كيانات باعتبارها حاضن للنقابة لحماية أتباعها.
إيقاف شبكات التحويل الخاصة بشركات الصرافة مع علم المركزي باعتماد الشركات عليها وأن هناك حوالات خارجية تصل لمناطق سيطرة الشرعية يتم تحويلها عبر شركات الصرافة إلى شركات الصرافة في مناطق سيطرة الحوثي في هذا التوقيت يعني إنهاك وإرهاق المواطن أكثر. المبالغ التي يستخدمها الحوثي لتمويل عملياته لا تمر عبر شركات الصرافة ولن يتأثر بهذه الإجراءات بل المتأثر هو المواطن الذي لديه أقارب في الخارج يحاولون مساعدته وإعانته على الاستمرار في الحياة بسبب الظروف التي تمر بها البلد.
شركات الصرافة التي تمت معاقبتها دون توضيح عن ما قامت به سيسبب إرباك أكثر للوضع.
اوقفوا التراخيص الجديدة حيث وصل العدد في مناطق الشرعية إلى ما يزيد عن 300 شركة وفي مناطق سيطرة الحوثي إلى ما يزيد عن600 شركة صرافة، وهذا العدد غير موجود في جميع الدول.. أما الشركات الكبيرة والقديمة فهي تحت سيطرة وتحكم المركزي.
لازال الوضع ضبابي في ظل حرب القرارات بين مركزي عدن وصنعاء. ولا ندري لمن الغلبة ستكون ولكن الشيء الأكيد والواضح أن المواطن ليس في حسبان أي منهما.
طالبنا مرارا بإعادة دمج البنكين وتجنيب السياسة النقدية هذا الصراع وأن ينحصر سياسيا فقط. ولكن أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي.
ضعف المركزي في عدن وعدم قيامه بأي إجراء لوقف التدهور الحاصل في سعر الصرف شي غريب ومريب، وانحصر كل همه في موضوع الحوالات والاحتفالات بمناسبات عالمية، وكأننا في بلد مستقر اقتصاديا.
راتب الموظف لا يكفيه في الأساس خصوصاً في شهر رمضان المبارك والعيد على الأبواب. فكيف سيتشجع بالادخار إذا كان الادخار سالبا في الأساس. أرى أن الموضوع لا يخرج عن كونه دعاية بأننا لازلنا موجودين في الساحة. رغم أن مصاريف الأسبوع واحتفالاته تحملتها جميع البنوك.
المواطن في حاجة لراتب يكفيه احتياجاته الضرورية فقط في ظل أسعار مرتفعة لا تتناسب مع الراتب ومما زاد الأمر تعقيدا عليه تأخر الراتب، وارتباطه بوصول المنحة من السعودية. ويتم توفير السيولة النقدية من خلال بيع العملة الأجنبية عبر المزاد الذي أثبت فشله في معالجة الوضع ولو بشكل بسيط. بل أصبح هدراً للعملة الأجنبية دون تحقيق أي هدف يلمسه الاقتصاد والمواطن.
على الدولة أن تركز على تقليل النفقات وتعزيز إيراداتها العامة، وأن تحاول أن لا تعتمد بشكل كلي لتغطية الباب الأول من الموازنة وربط صرف المرتبات على منحة أو وديعة سيكون لها الأثر السلبي على البلد بشكل عام.
نداء إلى العقلاء في الطرفين اوقفوا حرب المركزيين، فعلوا سياسات نقدية نوعية تتناسب مع الوضع الاستثنائي الذي تعيشه البلد، بعيدا عن المزايدة والمكابرة التي لن تؤدي سوى الى تأزم الوضع بشكل أكبر.
*أستاذ العلوم المالية والمصرفية المساعد بجامعة حضرموت