ما حدث خلال الأيام القليلة الماضية في سعر صرف الريال اليمني أمر محير للغاية، ومخالف لجميع ابجديات النظريات الاقتصادية، ولا توجد أي مبررات علمية لهذا الانخفاض المتسارع وغير الواقعي فبعد وصول سعر صرف الريال اليمني الى 760 ريال انخفض بشكل متسارع ليصل الان إلى 545. مع وجود بعض المضاربات خارج هذا السعر المعلن وهذا الانخفاض لم يتوقعه اكثر المتفائلين فمهما كانت القرارت التي اتخذها البنك المركزي في عدن على الرغم من عدم وجود قرارات عملية من شأنها أن تؤثر على سعر الصرف لهذا الحد. ومن الممكن تتبع ماحدث خلال هذه الفترة في الاتي:
- جمعية الصرافين قامت بتسعير لقيمة الريال اليمني في السوق على الرغم كونها جهة غير رسمية، وإن كانت قراراتها ملزمة فستكون لشركات الصرافة التابعة لها ولا سلطة لديها على البنوك باعتبارها طرف أساسي في بيع وشراء العملات الأجنبية.
- في العام 2024 بلغ عدد شركات الصرافة الحاصلة على تراخيص من المركزي في عدن 379 شركة موزعة ما بين شركات تضامنية ومنشآت فردية ووكلاء حوالات.. بالتالي فإن قرارات محافظ البنك المركزي خلال الأيام الماضية بإيقاف بعض الشركات بلغ عددها 30 شركة صرافة لن يؤثر على سوق الصرف لهذا الحد.. مع العلم بأن معظم الشركات التي تم إيقاف التعامل معها تعتبر شركات صغيرة جداً ومن المستحيل أن يؤثر خروجها من السوق على سعر الصرف.
أعتقد أن ما يحصل ماهو إلا عبارة عن تصفية بعض المضاربين وشركات الصرافة الصغيرة من السوق.
- اجتماع الرياض بين البنوك اليمنية والبنك المركزي مع وزارة الخزانة الأمريكية قبل يومين شدد على موضوع الامتثال في البنوك ومراقبة الحوالات الخارجية حتى لا تصل إلى بعض الجهات التي تم إدراجها في قوائم الخزانة الأمريكية ما بين أفراد وشركات وحتى سفن الشحن.
- تأسيس لجنة تمويل الاستيراد
تم تأسيس اللجنة في 17 يوليو برئاسة محافظ البنك المركزي في عدن لتنسيق وتنظيم تدفق العملة وتمويل الواردات في محاولة للسيطرة على مكافحة الفساد، فيما يتعلق بتداول العملة والحوالات الخارجية. وضمت اللجنة في عضويتها وزير الصناعة والتجارة إضافة للجهات ذات العلاقة لمصلحة الجمارك، وممثلين عن البنوك وشركات الصرافة والقطاع التجاري، بغرض التنسيق مابين الجهات المالية والتجارية.
هذه الخطوة تعتبر خطوة هامة جدا في الطريق الصحيح نحو ضبط السوق ومحاولة إيقاف تدهور قيمة العملة المحلية.
- إعلان الحكومة تشكيل لجنة تحضيرية لإعداد موازنة عامة للعام 2026 هي بادرة طيبة على الرغم من العجز المتوقع فيها كون بعض أبرز بنود الإيرادات العامة في اليمن متوقف مثل تصدير النفط والغاز والذي يشكل نسبة كبيرة من الإيرادات ومع زيادة الإنفاق العام فإن الإعلان عن موازنة عامة بعجز هو المتوقع.
حيث بلغ العجز المالي في 2024 مايعادل 39% من الإيرادات العامة ونسبة الإيرادات العامة إلى الناتج المحلي 6.03% والنفقات العامة تمثل 12.14% من الناتج المحلي بحسب صندوق النقد الدولي. الموازنة العامة تحتاج لانعقاد مجلس النواب لمناقشتها وتشكيل لجان لدراسة مناقشة هذه الموازنة. وكما هو معلوم من الصعب حاليا انعقاد المجلس في ظل الوضع السياسي للبلد مالم تتدخل دول التحالف والدول الراعية لفرض انعقاد مجلس النواب.
- إعلان محافظ البنك المركزي بأن هناك 147 مؤسسة إيرادية لاتقوم بالإيداع في البنك المركزي يعتبر كارثة حقيقية على الاقتصاد الوطني.. ويتنافى مع إصلاحات وزارة المالية التي تمت خلال العام 2024، وبالتالي من الطبيعي أن يعاني البنك المركزي من شحة السيولة، وعدم صرف المرتبات في وقتها واعتماده على المزاد لتغطية رواتب موظفي الدولة وهو ما استنزف خزينة الدولة من العملة الأجنبية المتوفرة لديه. إن الزام هذه المؤسسات بإيداع ايراداتها في البنك المركزي من شأنه أن يؤدي إلى سيطرة البنك المركزي على جميع السيولة النقدية في السوق، والرقابة على أوجه صرف هذه الإيرادات ضمن خطة الحكومة في معالجة الوضع والاستمرار في الإصلاحات المطلوبة من قبل دول التحالف لدعم الاقتصاد الوطني.
- استمرار اعتماد مناطق سيطرة الشرعية على مناطق سيطرة الحوثي في الحصول على احتياجاتها من الخضروات والفواكة، إضافة للقات يوميا يعمل على زيادة الطلب على العملة الأجنبية في مناطق سيطرة الشرعية، وحصول المزيد من المضاربات على سعر الصرف وخروج هذه الكتلة النقدية من العملة الأجنبية بشكل يومي.
- علما أن الاضطرابات الحاصلة في محافظة حضرموت نتيجة تدهور الخدمات والوضع المعيشي ليس له دور في انخفاض سعر الصرف.
إن الانخفاض الحاصل حاليا ماهو إلا انخفاض دفتري وفي مواقع التواصل الاجتماعي فقط، ولم يؤثر بشكل فعلي على أسعار السلع والخدمات طالما لم يحدث نتيجة قرارات وإجراءات فعلية من شأنها إحداث هذا الانخفاض، فالسوق لازال في حالة تخبط وعدم ثقة من الارتداد كما حدث سابقا عند وصول دعم او وديعة من دول التحالف.
- لازالت الأسعار مرتفعة والبعض ممن كان يسعر بضاعته بالعملة الأجنبية أصبح الان يقيمها بالريال اليمني بحسب سعر الصرف المرتفع او يقوم بالتسعير للعملة الأجنبية بسعر صرف يزيد كثيرا عن سعر الصرف الحالي بحجة شراءه لبضاعته بسعر صرف مرتفع وهي حجة واهية هدفها جني المزيد من الأرباح.
مما يؤدي إلى عدم استفادة المواطن من هذا الانخفاض.
- من الواجب تفعيل الأجهزة الرقابية للدولة خلال هذه المرحلة ليلمس المواطن ولو انخفاض بسيط في الأسعار وارتفاع في القيمة الحقيقية لدخله.
كما لابد من تكامل العمل ما بين جميع الجهات الحكومية من بنك مركزي ووزارة المالية ومصلحتي الجمارك والضرائب ووزارة الصناعة والتجارة وجميع الجهات الرقابية لتعمل وفق سياسة موحدة لا أن تعمل كل جهة بشكل منفرد ومنعزل عن بقية الجهات لتحقيق الأهداف المنشودة.
إضافة إلى تفعيل الدورة النقدية وضبط السيولة في السوق.
جميع الأمور السابقة سيكون لها أثر متوسط الأجل في حال تنفيذ وتفعيل ما خطط له.
*أستاذ العلوم المالية والمصرفية المشارك بجامعة حضرموت