شهد العالم العربي القرن قبل الماضي حركة فكرية تنويرية حقيقية كان يمكن البناء عليها لتجاوز عقبات التاريخ والانتقال إلى تحقيق نهضة شاملة وكان رواد حركة التنوير والنهضة امثال جمال الدين الافغاني والشيخ محمد عبده ورشيد رضا ورفاعة الطهطاوي يضعون نصب أعينهم خلق مسار فكري يتسق مع العصر ويجعل الأمة العربية تلتحق بحركة التطور العالمي آنذاك من دون إيجاد قطيعة مع الجانب المشرق من الحضارة العربية والإسلامية ؛ أنتج المسار الوليد حراكا حقيقيا لتحقيق التحول المنشود على كافة الأصعدة للخروج من زمن الظلام والجهل إلى التطور والبناء غير أن ماحدث وما استجد في واقع الأمة أدى بشكل أو بآخر إلى قمع التحرك الوليد وإيقافه تماما مع ظهور مسببات رادعة أسهمت في العودة إلى الخلف وتجسدت في أحداث مهمة على الصعيد الجيوسياسي في فترات متلاحقة لعل أبرزها :
- نشوء الكيان الصهيوني: أدى ظهور هذا الكيان على أرض فلسطين إلى الحروب والصراعات ونشوء الايدلوجيات المتطرفة فكريا التي نشأت كرد فعل على ظهور إسرائيل على المسرح وفي نقطة جغرافية لاتحتمل هذا الوجود المصطنع خاصة أن المنطقة كانت تغلي رفضا للاستعمار الأجنبي وتستعد لإنهاء وجوده ؛ لقد تحولت المنطقة العربية إلى ساحة للصراع المرير وبرمجة العقل العربي على خوض هذا الصراع بدلا من الاتجاه للتنمية في ظل الدعم الاستعماري للكيان الصهيوني الذي بدوره شكل هاجسا وجوديا لشعوب وأمن المنطقة خلق الوعي الاحترابي المعادي للغرب بشكل كامل
ـالثورة الخمينية : خلقت بدورها عقلية صراعية قائمة على أسس طائفية خاصة أن تصدير الثورة كان المرتكز الرئيس للنشاط الحركي لفكر وفلسفة النظام الإيراني الذي شجع استيقاظ الأقليات مما أدى إلى اشتداد قبضة الطغيان لإخضاع تلك الأقليات والهويات الفرعية في ظل انسداد الأفق أمام أية مناخات للتعايش والحوار وغياب الحقوق المدنية للأفراد والسياسات التي تسهم في استيعاب تلك الطوائف والفرق في إطار وطني رحب يتسع للجميع
- بروز الحركات السلفية : لم تستطع التيارات الفكرية السلفية تجديد نفسها وتطوير ذاتها مع أنها تحظى بحاضنة شعبية كبيرة مع ذلك فهي لاتؤمن بالتجديد والتطوير والاجتهاد لطرح حلول ناجعة لأزمات المجتمع فبقيت تتحرك بذهنية رافضة للزمن وحركة التاريخ حيث انها تقول هي ضد ماذا لكنها لاتفصح هي مع ماذا اي رسم مشروع حقيقي قادر على التعايش مع حقائق العصر الراهن
- الصراع الطبقي : المجتمعات العربية هي مجتمعات طقوسية وعشائرية لم تراكم منذ منتصف القرن الماضي أية مظاهر للانتقال من النسق المغلق إلى فضاء جديد وكان الاستحواذ على السلطة والثروة أحد تمظهرات حالة الكبت والاستبداد العسكري الذي خيم على الخارطة وانتج الشعور بالغبن والتهميش حالة انسحاب مستمر من قبل الطبقات الفقيرة وهي الغالبية العظمى من الفضاء العام وترك الساحة لفئة صغيرة هي التي تتحكم في الموارد وصياغة وعي يتناسب مع بقاءها في القمة .
وبالتالي فإن المشكل الاجتماعي هو المنطلق الصحيح لرسم اي مشروع نهضوي جديد والخروج من حضيض التاريخ إلى زمن النهوض ولن يتأتى هذا إلا بالاقتناع الجاد بأهمية المشاركة الشعبية واحترام حقوق الإنسان والفرص المتساوية للجميع على حد سواء بدون أي تمييز
صالح علي بامقيشم